المرأة التي ترسمها عفيفة لعيبي، تكاد تكون وجودا أثيريا، تلك الاستدارات الباذخة لخطوطها، تجعل منها مثالا للشهوة الممتنعة، تنأى بها عن مواصفات الموديل، او المنظور الحسي للموديل. تغريب يتبدى في التأكيد على انتسابها الى خيال الايقونات، نساء الاساطير وربات المعابد. عفيفة لعيبي ترسم الجمال الانثوي وهي تتمعن قبل كل شيء في الفن التشكيلي ذاته. انها توظف ذاكرة التذوق ليطل امامها عصر النهضة، مفردة للتعبير عن الغموض في الإيماءات الخفية التي تزخر بها شخصيات النساء. سحر أضواء الكلاسيك وغنى ألوانه وبنيانه الرياضي العقلي وتطلعه الى الكمال، كل تلك المكونات تدخل في مختبر عفيفة لعيبي لتتحول الى نظام يخدم الحضور الراسخ لوحدة المرأة وغربتها، لصمتها وسكونها المؤبد. غير ان بمقدورها التلاعب في الاحساس بالوجود المسيطر للمرأة، الهدوء الذي لايتبدى في التعبير عن الانفعال، بل بالتجاوب بين مفردات اللوحة ذاتها. انها تنحت نساءها او تحيلهن الى منحوتات حيث تبرز الروح من خلال وجودها في المكان وتناظرها معه، ليغدو الموضوع خارجا عن المضمون، مكتفيا بكبرياء المادة الحجرية وخلودها. نوع من التعالي الذاتي تسبغه الفنانة على المرأة لتعفيها من تبعات الموضوع او تجعل المضمون يتجرد من شروطه الخارجية. على هذا الاساس تميزت عفيفة لعيبي عن غيرها بابتعادها عن الفولكلور وشرطه الاجتماعي، فليس بمقدورنا الامساك بهوية محلية للمرأة التي ترسمها، فهي تزيح كل ماهو عارض لتبقي الجوهر في تساميه ولازمنيته. مرت عفيفة لعيبي التي ولدت بالبصرة 1952، بتجارب عديدة، وبرزت رسامة في السبعينيات ببغداد ثم تجولت في عدد من البلدان واستقرت في ايطاليا، ليتبلور اسلوبها الذي جعل عملها من بين أهم التجارب الفنية للتشكيل النسائي العراقي، منذ عهد مديحة عمر رائدة اللوحة الحروفية التي بدأت اربعينيات القرن المنصرم، وسبقت كل الحروفيين في العراق، وصولا الى الاجيال التي لحقتها من الفنانات التشكيليات. أصبحت معارض عفيفة لعيبي المقيمة الان فيما بين هولندا وايطاليا، موضع اقبال الغربيين، ولعل تجاربها التي تمخضت عن هذا الإسلوب لها صلة ببداياتها الاولى، فمع انها مرت بمراحل الالتزام السياسي، وانتمت الى اليسار، غير انها لم ترسم الموضوع النضالي، ولم تقترب من مواضيع الحياة الشعبية، وشغلتها رومانسية النساء والوجود الحالم للمرأة. تخففت لاحقا من غنائية موضوعها الشكلانية، لتتجه بمادتها نحو المثال الكلاسيكي، موضوع الجمال الحر الذي لايثقل نفسه بالعواطف. الوحدة والصمت يلفان عوالم المرأة التي ترسمها، غير ان مظهرها النحتي يقربها من الكمال، من رمزية ترقى بها عن الحزن العارض.