يحمل الصحفي تفويضاً غير مكتوب من المجتمع، يتحدث باسمه قضية وإنساناً، فعمل الصحفي هو رفع حاجات المجتمع وتظلماته ومطالبه الى حدود الرؤية العامة ليشاهدها المعني بالأمر، والمتجني عليها، وهو بهذا العمل يشبه عمل محامي المجتمع، مع اختلاف الأهداف والمنافع، فالمحامي يدافع عن متهم قد تثبت براءته وقد يدان مقابل اجر معلوم، ولكن الصحفي لا يدافع الا عن البريء فقط ودون مقابل، ومهمته الاساسية الكشف عن الحقيقة وتقديمها للناس، وبدون أن تكون له منفعة خاصة وراء كشف الحقائق. قضايا الناس تتداخل وتتشابك وكذلك مؤسسات الدولة، ومع هذا التشابك المعقد تتداخل المصالح وتتعارض، بشكل يصنع للحقيقة عدة أوجه، وعدة قراءات، تجعل من أمر نشرها عملية بالغة الحساسية والخطورة، فالحقيقة في الصحافة ليست نسبية، بل مطلقة،"حدث أم لم يحدث"، ويتم فيها تجريم الأخطاء، ونشر الصواب، والمجتمع والبلد هما قضية الصحفي، وسلاحه في الدفاع عنهما الأخلاق والأمانة، وهنا يبرز سؤال أخلاقي ومهني وإنساني، من يحدد القيم الأخلاقية للصحفي وكيف يتم ضبطها؟ في اغلب بلدان العالم المتحضر وحتى ما دون ذلك، يوجد ميثاق شرف للمهنة، تحدد فيه الاجراءات التي تحمي الصحفي لأداء مهمته، مثل وضع آلية يستطيع الصحفي من خلالها الوصول للمعلومات التي يحتاجها في نشر قصصه الاخبارية والتحقيقات، وتلك الآلية لها جوانب قانونية على المستوى المحلي والدولي، وجوانب اخلاقية تمنع التلاعب بمحتوى المعلومات حتى لا تكون المعلومات مصيدة غير اخلاقية يصطاد بها الشرفاء، هذا من جهة الشيء الذي من صالح الصحفي، أما من جهة المحاذير فأغلب مواثيق الشرف تمنع الصحفي من تغطية أخبار المؤسسات والوزارات التي يعمل بها أحد أقربائه بالنسب المباشر حتى لا تتلون الاخبار بألوان القرابة، وتصبح الصحافة أداة بيد مجموعة صغيرة في المجتمع تضرب بها مكونات المجتمع الأخرى، وتشكل المعلومات وتكتب بلغة المصالح والإقصاء، وربما التزييف، فالقرابة في العمل الصحفي شر مستطير، يصل الصحفي به رحمه عن طريق قطع رحمه مع كل المجتمع، وبهذا يصبح المسؤول الذي ليس له قريب في المؤسسة الاعلامية مادة نشر سلبية، أما المسئول الذي يتمتع بقرابة تحميه العصبة وقرابة الدم من نشر اعماله السلبية، هذه ملاحظات عامه، وليست موجهة لشخص بعينة، أو مؤسسة محددة. إن رد الاعتبار للقيم الاخلاقية في الصحافة العربية والعالمية يعد اليوم من أقوى الاسباب لحفظ سلامة المجتمع وسمعته، فقد أغفل هذا الجانب كثيراً في الاعلام العربي، واصبحنا نشاهد حروب أخلاق في الإعلام، لا تخضع لقيم المجتمع، ولا اخلاقه ولا انتمائه، تصفية حسابات، يستخدم فيها الإعلام بصورة بشعة، نشاهد لنعرف من انتصر على من، لا حقائق ولا اخلاق ولا قيمة، فقد أصبح بعض الاعلام العربي بيد فئة قليلة تريد أن تخضع كل الناس لسيطرتها والسير في ركب مصالحها اعتماداً على قاعدة " إلي تغلبه إلعبه" فلا نستطيع أن نحمي شرف الناس بسلب الشرف، ولا يعقل أن تكون الافتراءات بديلًا عن الحقائق، فهل من ميثاق شرف نحمي به الشرف.