محاكمة عالم الاجتماع الفرنسي إدغار موران بات انتقاد السياسة الإسرائيلية مغامرة محفوفة بالمخاطر، ليس فقط داخل إسرائيل بل في أعرق الديمقراطيات الغربية ومنها فرنسا. وهذا ما كشفت عنه الدعوى التي قدمتها بعض الجمعيات والشخصيات اليهودية ومنها «جمعية فرنسا - إسرائيل» ضدّ إدغار موران، عالم الاجتماع الفرنسي المعروف على المستوى العالمي، وذلك بتهمة العنصرية ومعاداة السامية. ولقد جاءت هذه التهمة عقب نشره عام 2002 مراجعة في صحيفة «لوموند» الفرنسية بالاشتراك مع المفكر الجزائري سامي نايير والكاتبة الفرنسية دانييل سالناف. في هذه المراجعة التي حملت عنوان «إسرائيل - فلسطين: السرطان» انتقد الكتّاب الثلاثة السياسة الرسمية الإسرائيلية التي حوّلت حياة الفلسطينيين إلى جحيم، وجاء بحسب تعبيرهم «انّ اليهود الذين كانوا في السابق ضحايا نظام لا يرحم يفرضون اليوم نظامهم الذي لا يرحم على الفلسطينيين». هذه العبارة وحدها كانت كافية لإطلاق شرارة هجوم لم يتراجع حتى اليوم، ولدعوى انتقلت من محكمة «نانتير» في الضاحية الباريسية إلى محكمة «فرساي» التي بتّت بها واتهمت موران بأن كلامه ينطوي على بُعد عنصري وتحريض على المشاعر العنصرية. ولقد أحدث هذا الحكم ضجة في بعض الأوساط الثقافية الفرنسية ودفع العديد من المثقفين إلى توقيع عريضة نشرتها بعض الوسائل الإعلامية الفرنسية الأسبوع الماضي للدفاع عن موران وعن القيم التي يمثلها في شخصه وفي نتاجه الذي يعدّ من أكثر النتاجات تجذّراً في اعتناق النزعة الإنسانية في القرن العشرين. ومنذ تاريخ نشر هذا المقال يتعرض إدغار موران البالغ من العمر الرابعة والثمانين إلى حملة عنيفة تصل الى تهديده بالقتل وتزداد هذه الحملة شراسة عندما نعرف أن موران متحدّر من أسرة يهودية. وهو صرّح أخيراً لصحيفة «ليبيراسيون» الفرنسية بأنه خائف من التهديدات التي يتلقاها يومياً عبر الإنترنت والتي لا تكتفي فقط باعتباره خائناً للشعب الإسرائيلي بسبب انتقاده لسياسة إسرائيل، بل بتهديده والعمل على تحقير شخصيته ونعته بأبشع النعوت، ضاربة بعرض الحائط تاريخه المطبوع بمواقفه الإنسانية وبتصديه لكل أشكال الظلم واللاعدالة وبدفاعه عن جميع المقهورين في الأرض مهما اختلفت انتماءاتهم الثقافية والإتنية والألسنية. هذا وتَقدَّم إدغار موران بشكوى ضدّ كاتبي الرسائل الرقمية التي تلقاها، وأكّد في التصريحات الصحافية التي أدلى بها في الأيام الأخيرة على التناقضات الحادّة التي يعيشها بعض اليهود في فرنسا اليوم متهماً إياهم بنشر ثقافة الكراهية والبغض. لكنه على الرغم من خوفه على سلامته الشخصية بسبب التهديدات المتواصلة، لا يشعر بالحقد لأنه كان دائماً ولا يزال من أولئك الذين يقفون في الجبهة المعادية لكلّ أشكال التطرّف والعنف. الإسكندرية في زمن البطالسة صدرت أخيراً عن دار «غاليمار» في باريس طبعة جديدة من كتاب بعنوان «الإسكندرية في زمن البطالسة» للباحثة الفرنسية مادلين ديلا مونيكا. يروي الكتاب أبرز الأحداث التاريخية التي عرفتها مدينة الإسكندرية منذ تأسيسها على يد الاسكندر المقدوني الذي احتل مصر عام 323 قبل الميلاد. وكان الاسكندر قد عيّن بطليموس حاكماً على المدينة فأراد هذا الأخير أن تصبح عاصمة يلتقي فيها اليونانيون والمقدونيون والمصريون من دون أن يؤدي ذلك الى القضاء على العادات المصرية المحلية واستبدالها بالعادات اليونانية. وعلى الرغم من الكفاءات العالية التي تميّز بها بطليموس فإنّ ورثته تميّزوا بصراعاتهم الداخلية الحادة لكنهم ، في المقابل، كانوا من كبار مشجّعي الفنون والثقافة مما جعل الإسكندرية أهمّ مدينة متوسطية في عصرهم. تميز حكم البطالسة بنشوء ثقافة هيلينية ومصرية في آن واحد. فاليونانيون والمقدونيون الذين تولوا شؤون الجيش والإدارة كانوا معجبين بعلوم الشعب المصري وخبراته. وقد تبنى الملوك البطالسة الكثير من الطقوس والعادات المحلية واعتبروا أنفسهم سلالة فرعونية وهذا ما يتجسد بالأخص عند دراسة المعابد التي شيدت في فترة حكمهم الذي امتد ثلاثة قرون. ومن أبرز إنجازاتهم الحضارية تأسيس مكتبة الإسكندرية على مقربة من القصر الملكي وكانت المكان الذي التقى فيه العلماء والفلاسفة من ضفتي المتوسط. وبفضل هذا التمازج الثقافي تسرّب إلى اللغة المصرية الكثير من الكلمات اليونانية فتغيرت معالمها وأدى ذلك إلى نشوء ما صار يعرف لاحقاً باللغة القبطية. انتهت سلالة البطالسة في زمن الملكة كليوبترا التي حيكت حولها الأساطير والحكايات التي تناقلتها في ما بعد كتب التاريخ والأفلام السينمائية. وتؤكد الدراسات التاريخية اليوم أنّ كليوبترا كانت امرأة ذكية وسياسية محنكة. حكمت مصر في زمن صعود الإمبراطورية الرومانية بعد أن ورثت الحكم عن والدها بطليموس الثاني عشر. ومن المعروف عنها أنها أقامت علاقة عاطفية مع يوليوس قيصر الذي كان يكبرها بعشرين عاماً وأنجبت له ابناً رافقها في زيارتها لروما. بعد اغتيال يوليوس قيصر عادت الملكة إلى مصر وكانت تطمح أن تجعل منها قوة دولية، وارتبطت بعلاقة عاطفية مع مارك أنطوني وأنجبت له طفلين مما عزز التحالف السياسي بينهما. غير أن الحليفين هُزما لاحقاً بعد حصار أسطول روما لهما وانتحر مارك أنطوني بين يدي كليوبترا التي فضلت هي أيضاً الانتحار بلسعة أفعى بعد فشل مشروعها السياسي وفقدانها لنفوذها. ومنذ ذلك التاريخ انتهى حكم البطالسة في مصر التي صارت جزءاً من الإمبراطورية الرومانية. تنبغي الإشارة أخيراً الى المعابد التي بقيت لنا من زمن حكم البطالسة ومنها معابد دندرة وإيدفو وإيسنا التي يؤمّها سنويا ملايين السياح والتي قدمت للمؤرخين معلومات نادرة عن فترة حكم البطالسة وعن الطقوس الدينية في مصر في تلك المرحلة. متحف للفنان بول كلي من الأحداث الثقافية الهامة التي شهدتها سويسرا أخيراً افتتاح متحف مخصص لأعمال الفنان الألماني بول كلي في مدينة بيرن. والفنان بول كلي (1879 - 1940) يعدّ أحد كبار الفنانين الغربيين في النصف الأول من القرن العشرين وقد تميز نتاجه بابتكار أسلوب فني متفرّد بقي خارج المدارس والتيارات السائدة منذ مطلع القرن العشرين ومنها التجريدية والتكعيبية. بلغت تكاليف بناء المتحف سبعين مليون يورو وقد وضع تصميمه وأشرف على بنائه المهندس المعماري رنزو بيانو الذي يتمتع بشهرة عالمية وقد ارتبط اسمه بعدد من الصروح التي شكلت علامة مضيئة في مسيرة الهندسة المعمارية الحديثة، ومن الصروح والمراكز الكبرى التي ارتبطت باسمه «مركز جورج بومبيدو الثقافي» في باريس. ويضمّ المتحف حوالي أربعة آلاف عمل من أعمال بول كلي التي تقدر في مجموعها بما يتجاوز العشرة آلاف عمل فني. وكان رنزو بيانو قد أكد في تصريحاته الصحافية أنه استوحى شكل مبنى المتحف وحركته الداخلية والخارجية من العناصر الأساسية التي تطالعنا في أعمال الفنان بول كلي ويمكن اختصارها، بحسب المهندس، بالرشاقة والضوء والانفتاح على الطبيعة. من المعروف عن بول كلي أنه أمضى في مدينة بيرن سنوات حياته الأولى ومرحلة الشباب، وعلى الرغم من ترحاله وسفره من بلد الى آخر فقد شكلت بيرن بالنسبة إليه دائماً المأوى والملاذ واحتضنت الجزء الأكبر من نتاجه. ولا يمكن فهم أعمال بول كلي من دون الرجوع الى تجربته الذاتية والى كتاباته. كان فناناً وشاعراً كما أنه كتب الكثير من الدراسات النقدية وكان عاشقاً للموسيقى التي تعلمها منذ الطفولة وعُرف بعزفه على آلة الكمان. منذ بدايته الفنية اهتمّ بول كلي بالألوان كظاهرة نظرية، ثم اكتشف في وقت متأخر أن لها تأثيراً على الروح. وقد وصف أسلوبه الفني بالأسلوب الرومانسي البارد في النص الذي كتبه ليرافق أول معرض كبير له جرى تنظيمه عام 1914. وللتعمّق في موقفه الفني لا بدّ من مراجعة كتابه «نظرية التشكيل» الذي عكس تجربته الإبداعية الذاتية وضمّ دراسة مثيرة للاهتمام جذبت انتباه جميع المهتمين بالفنون والآداب الحديثة. يتألف الكتاب من أربعة فصول تتناول قضايا الفن من أبجديتها الأولى أي من علاقتها بالنقطة والدائرة واللون إلى الظل والضوء والخط والفراغ... أمور عديدة عبّر من خلالها بول كلي عن رؤيته للجمال ووعيه للنقاشات التي كانت تدور في عصره بخصوص جوهر الفن ووظيفته، ويعتبر الناقد هربرت ريد أن دور بول كلي في الإبداع الحديث يعادل الدور الذي لعبه نيوتن في تاريخ العلوم. كان بول كلي كغيره من فناني عصره منفتحاً على تجارب الحضارات الأخرى وبالأخص الفنون الشرقية ومنها الفنون العربية والإسلامية. وتشكل زيارته لتونس عام 1914 محطة أساسية في مسيرته الفنية وقد كشفت له عن أمور جديدة فيما يخص علاقته باللون. ومما كتبه أثناء هذه الزيارة: «كل ما أشاهده يخترق شخصيتي بعمق وعذوبة. أشعر به وأمتلكه بلا جهد. لقد أخذني اللون. لا أحتاج إلى التمكّن منه فهو امتلكني إلى الأبد. أعرف ذلك وهذا ما يعطي لهذه اللحظة السعيدة معناها. لقد صرنا أنا واللون شيئاً واحداً.» وقد تجسد تأثر كلي بالفنون الإسلامية من خلال أمور عديدة منها إدخال الأحرف العربية لأبعادها الجمالية كعنصر من عناصر اللوحة، إلى جانب الإشارات والخطوط المحوَّرة التي تذكّر برسوم الأطفال والمنمنمات العربية التي تطالعنا في المخطوطات. أخيراً لا بد من التوقف عند الدور الذي لعبه بول كلي كأستاذ في معهد الباوهاوس للفنون الذي تأسس في مدينة فايمار الألمانية عام 1919 واحتضن الكثير من التيارات الفنية. وكان هذا المعهد دعا إلى صهر التقاليد الفنية الحديثة والقديمة مع الخبرات الحرفية والمهنية بحيث يلبي الفن على أنواعه حاجات نفسية وعملية. وجاء ذلك التيار نتيجة التطورات الكبيرة التي فرضتها الثورة الصناعية على منتجات الحياة اليومية في أوروبا وبقية دول العالم. غير أن معهد الباوهاوس لم يتمكّن من الاستمرار على الرغم من تأثيره العميق على عدد كبير من الفنانين، وذلك بسبب صعود النازية ومن ثم استيلائها على الحكم. وقد أدى ذلك إلى إغلاق المعهد نهائياً عام 1933 وملاحقة الفنانين الذين اتهموا بمعاداة النازية وكان منهم بول كلي الذي نزعت أعماله من كافة المتاحف وصالات العرض الرسمية وصودرت الكتب التي تضم رسومات له. لكن ذلك لم يؤثر على مسيرة الفنان الذي بات مكرّساً في أوروبا والولايات المتحدة وتقام له المعارض في العواصم العالمية وينظر إليه بوصفه أحد أعمدة الفن التشكيلي الحديث. مجموعة شعرية لمالك علولة «معبر إلى الجسد» عنوان المجموعة الشعرية الجديدة للشاعر الجزائري باللغة الفرنسية مالك علولة، وهي على غرار مجموعاته السابقة تعتمد على النحت في اللغة وفي الجسد في محاولة للوصول إلى الطبقات الأعمق في الذات الإنسانية. من أجواء المجموعة نقلنا إلى العربية هذه المقاطع: الجسد الجسد التالي لتعيين الذي يتردّد في البعيد على الأضواء الحمراء وبقايا نار السهر والرماد كل هذه الغروبات واشتعالها الزاهد هذا الالتماع الضائع وبالكاد يمكن تبيّنه ارتعاش أشجار ووراءها غابة هي الأخرى قلقة ومرتعشة في ما يبقى من انبهار من حيرة كأثر لمخاوف سحيقة. ٭٭٭ هذه الرجفة كمثل إشارة للتخلّص من الأصوات الأخرى نحو انسحاب في اتجاه أبيض الذاكرة قولُ غياب، ذبول، نزوات مفاجئة وتيه طويل عند أنحاء العتبة الأخيرة. ٭٭٭ أصوات تصل باهتة تحت رماد الحزن وقاحة الارتخاء والاستسلام الانهيار بدون أبّهة تحت الأنقاض الحِداد على مرايا المشهد الأخير لحن جماعي يتبدّد في سقوف المسارح لا مبالاة ماضٍ.