منذ يومين قرأت مقالاً مطولاً للأستاذ حسين الشافعي في إحدى الصحف المصرية كتبه بمناسبة إعدام السفير المصري الشهيد رحمه الله.. وبدلاً من أن يقتصر المقال على المناسبة أو أن يتحدث الأستاذ الشافعي من خلال تجاربه كعضو سابق في مجلس قيادة الثورة المصرية فترة ليست بالقصيرة مارس فيها عدداً من المسؤوليات ثم ابتعد عن السلطة.. تجاربه ليست بالقصيرة ومرت بتحولات كثيرة مر بها العالم العربي يفترض أن تكون قد أعطته رصيداً من الخبرة يطل به على شباب اليوم فيقول لهم: إن بناء المجتمعات لا يتم إلا ببناء الاقتصاد والمؤسسات المدنية وتحويل المجتمع إلى فئات بناء متعددة الاختصاصات.. وأنه من واقع خبرته أدرك بأن الزعيم لا يخلق أمة حتى ولو افتعل ذلك ولكن الأمة هي التي تخلق الزعيم.. الأستاذ حسين الشافعي لم يقل شيئاً من ذلك خصوصاً وأننا معه في العالم العربي عشنا المآسي التي أورثتها الزعامات الفردية للشعوب بدءاً بحسني الزعيم ومروراً بعبدالناصر وانتهاءً بصدام حسين.. حتى الثقافة.. لم نستفد إلا من المثقف الذي عاش بيننا، أما المثقف الذي احتضنته مقاهي ألمانياوفرنسا ولبنان فإنه قد اعتصم بأبراج عاجية وأخذ يكتب لملكوت غير منظور.. يتساءل هو: أين إرادة التحرير؟.. أين التصميم على مواجهة الاستعمار وتحرير الأرض العربية؟.. بداهة ذلك كان موجوداً كشعار وكموضوع خطبة سياسية لكن ماهي الأرض التي تحررت وما هي المعركة التي انهزم فيها العدو باستثناء سيناء على يد السادات وعبور اكتوبر بقيادته.. المشكلة التي يعانيها الوطن العربي أن أفراداً أرادوا الادعاء بأنهم أدخلوه التاريخ بينما هم دخلوا التاريخ كأسباب لعاهاته.. ولا يستطيع مؤرخ أن يقول عن إبراهام لنكولن وجورج واشنطن وروزفلت وجون كيندي وتشرشل في بريطانيا وشارل ديغول في فرنسا بأنهم أدخلوا شعوبهم التاريخ.. ولكن ثقافة الوعي الاجتماعي، ثقافة الولاء للمجموع هي التي أبقت على سلامة تلك الشعوب وازدهارها وبقائها في ضوء التاريخ.. بل إن تشرشل المنتصر في الحرب كان هو الخاسر في الاستفتاء ومثله شارل ديغول.. تصوروا لو أن أياً منهما كان بطل حرب عربية ماذا كان سيفعل بالناس مادام وهو مهزوم قد أخرج عدداً من الدول العربية من الوجود الحضاري الراهن.. دعونا نتصور أمريكا قد خرجت مهزومة من العراق.. لو قيل هل تريدون بديلاً في حجم بلير أو جاك شيراك.. أيهما تختارون؟.. سيكون الرد هذا خيار غير وارد.. فالمفاضلة سوف تتحدد بين صدام حسين والزرقاوي وسيكون صدام حسين هو الأفضل.. وهذه مأساة..