يكتشف الجميع بعد الزواج الفارق بين مرحلة الخطوبة وما بعدها، فالبعض -وربما الغالبية- لا يعرفون كيف يتكيّفون مع شبكة متعددة من الواجبات والتقاليد والظروف التي يفرضها الزواج، وقديما قالوا "بيتي قلعتي"، وهذا يعني أنّ بيت الزوجية هو القلعة الآمنة والمرفأ الأخير الذي يجعل الإنسان يشعر فيه بالأمان والاستقرار. ولا يمكنك إلاّ أن تشعر بسعادة كبيرة عندما تلتقي من عاشوا حياتهم الزوجية في سعادة ووئام مع أزواجهم، على الرغم من مرور عقود طويلة على ليلة العمر، بشكل يجعلك تتساءل من أين يأتي الهدوء داخل أي بيت؟، وكيف ترفرف طيور المحبة حوله؟، وكيف تتحق السعادة الزوجية؟، ذلك الحلم الذي يتمناه من دخلوا القفص الذهبي، وكيف استطاع هؤلاء الاستمرار في حياتهم رغم التحديات؟. أمواج الحياة وذكرت "سارة العبدالرحمن" -متزوجة لأكثر من (35) عاماً- أنّ أحلامها كانت كبيرة أكثر مما يسمح به الواقع، حيث كانت تراودها أحلام الحياة السعيدة والهادئة والمستقرة والحب الذي يظلل الزوجين منذ أن وعت على الحياة، خاصة بعد زواج أختها الكبيرة التي تزوجت ابن عمها، وبعد الزواج سرعان ما صار واحداً من أفراد العائلة يحبونه ويحترمونه، وكانت معجبةً بالحب الكبير الذي يجمع بينه وبين اختها فقد كان منزلهما مثالاً لعش الزوجية الذي يحمل الحب والطمأنينة والألفة، مبيّنةً أنّها عندما كبرت كانت حريصة على أن يكون اختيارها لزوج المستقبل مبنياً على العقل والحب والاحترام، حيث إنّها الأساس في بناء أسرة متماسكة، مشيرةً إلى أنّها قدمت العديد من التنازلات ليعبر مركب زواجها أمواج الحياة المتلاطمة، حتى استطاعت هي وزوجها تجاوز الظروف والتحديات وتجاوزوا عقدهم الثالث معاً. زواج تقليدي وبيّنت "لطيفة الدوسري" -متزوجة لأكثر من أربعة عقود- أنّ معظم المتزوجين يعيشون في بيوت غير تلك التي كانوا يحلمون بها، حيث إنّها تزوجت رجلاً لم يكن بينهم حب أو معرفة مسبقة، وكان زواجهم تقليدياً بحتاً، لكنهم أصبحوا متفاهمين جداً وكل واحد منهم يقدر الآخر، مشيرةً إلى أنّ ذلك ساعدهم على تجاوز خلافاتهم؛ إذ نشأ بينهم حب مقدس.. حب الزوج لزوجته، مضيفةً: "لأكون صريحةً الحب وحده لا يبني بيتاً مستقراً وهادئاً، لأنّه ليس كافياً لذلك، كما أنّ الحياة وصعوبتها وافتقاد الكثير من الأزواج والزوجات للتفاهم والوعي يجعل الحياة اليومية ومسؤولياتها صعبة الاحتمال، ولكن استطعنا تجاوز الصعاب والمشاكل لذلك استمر زواجنا وسوف يستمر -بمشيئة الله-". مظاهر كذابة ورأت "صيتة الوهبي" -متزوجة من (25) عاماً- أنّ معظم العلاقات الزوجية تشوبها المشاكل، وأنّ الانسجام الذي يبرز في الظاهر لبعض العلاقات الزوجية ماهو إلاّ مظاهر كذابة، فلا أحد يعترف بأنّه يعاني من مشاكل في حياته الزوجية، ومعظم الأزواج يحرصون على صورة فيها الكثير من المبالغة عن حالة التوافق والانسجام التي يعيشونها، ومع الايام ينسحب هذا التوافق والانسجام ليصبح شيئاً حقيقياً ويتعود كلا الزوجين، خصوصاً مع وجود أبناء فيتخلى كل واحد منهما عن أحلامه البعيدة ويسكن الواقع ويكون موضوعياً في تفكيره، مبيّنةً أنّ هذا ماحدث لها، وبفضل الله عاشت في سعادة وباتت وزوجها لايستغنيان عن بعض، وأصبح كل منهما جزءا من كيان الآخر. أسرة مستقرة وقالت "لولوة الرعد" -متزوجة من أربعة عقود-: "لا شك أنّ الحياة ازدادت صعوبة واختلفت المعايير والقيم، ولم يعد نجاح الحياة الزوجية في يد أي زوجين مهما كانت درجة الحب الذي يجمعهما، فبدون أسس مادية مستقرة وقيم واضحة لا مجال لتكوين أسرة مستقرة، وغير هذا ما يضيع أحلام ما قبل الزواج، ولكن التفاهم وتقديم التنازلات بين الزوجين يدفع سفينة الحياة لأن تستمر في سيرها وتعبر خضم بحر الحياة الصاخب"، مبيّنةً أنّها استطاعت مع زوجها وبتعاون وتفاهم أبنائهم أن يحافظوا على حياتهم الزوجية طوال الأربعة عقود، ناصحةً من يريد أن تستمر حياته الزوجية أن يقدم تنازلات وأن يمسح أي مشكلة بعد لحظات من وقوعها، وأن لا يتركها تكبر ويتجاهلها فالنار تشعلها الجمرة الصغيرة. نجاح العلاقة وأضافت "أم ضاوي الشمري" -متزوجة لأكثر من ثلاثة عقود- انّ استمرار زواجها طوال السنوات الماضية يعود للإيمان بما كتبه الله على الإنسان، فالزواج قسمة ونصيب، مبيّنةً أنّ بعض الأزواج تتوفر لهم حياة مادية مستقرة ولكنهم لا ينعمون بالسعادة ولا يعيشون الحياة التي يبحث عنها الجميع، وهذا يؤكّد على أنّ هناك خطأ ما له علاقة بالبيئة والمجتمع الذي يعيشون فيه، مشيرةً إلى أنّ مفاهيم كثيرة قد تغيرت واختلف نظام الأسرة الذي كان يكفل شروطاً أفضل لإنجاح العلاقات الزوجية. جنة صغيرة وأشارت "شريفة الماجد" إلى أنّ الحياة الزوجية تستند على مبادئ أساسها الحب والانسجام، وتقدير الطرف الآخر، وقد لا تتحقق الأحلام التي يحلم بها الأشخاص قبل الزواج ولكن الحب كفيل بإبقاء تلك الروح التي تجعل من البيت والأولاد جنة صغيرة تنسيهم مصاعب الحياة ومتاعبها، مبيّنةً أنّها وزوجها احتفلوا باليوبيل الفضي لزواجهم، مضيفةً: "بالطبع لم يتحقق ذلك إلاّ من خلال التفاهم المشترك بيني وبين زوجي، والحمد لله لقد حقق لنا الله ما نتطلع إليه، فنحن الآن على وشك أن ننتقل لبيتنا الجديد الذي بنيناه، ونأمل أن يكون بيتاً مباركاً يجسد زواجنا السعيد والمبارك".