(يسمع آيات معدودة فتنتقل حاله من سفح الجاهلية إلى قمة سمو الأخلاق! لماذا لا تغيرنا الآيات كما غيرتهم؟). هذه تغريدة شدوت بها في تويتر، وجاءت الردود عليها متفقة على الخطأ، وهو خطأ متوارث، يؤثر فيه الواقع الذي يتصوره المرء، لا ما ينبغي أن يفهمه ويفكر فيه ويتأمله. أكثر الردود يتحدث عن صفاء قلوبهم ونقاء سريرتهم، ولهذا أثرت فيهم الآيات، ولا يمضي هذا القول على قائله نفسه لو تأمله، فالكلام عن جاهلي سمع القرآن فأصبح ذلك الصحابي العظيم! كان قبل القرآن مشركا، قلبه متنجس بالشرك الأكبر، وبشتى أمراض القلوب، ومتلبسا بالفواحش، وقطع الرحم، والظلم، وأكل المال بغير حق، كان يسرق، ويفتك، ويشرب الخمر، ويفعل الأفاعيل . يكفي في الفرق بيننا وبينه قبل أن يسمع القرآن أنه كان مشركا، يدعو مع الله إلها آخر، لا يفكر إلا بالعادات والتقاليد، وفي إطارها، وعلى أساسها، ومع حاله هذه كانت شرارة التغيير القرآنية كافية ليدور محرك القلب عنده، ويتحول من تلك الحال إلى العكس تماما، بتلك الآيات غير المحددة من القرآن الكريم! من ظن أنها كانت قلوبا صافية طاهرة نقية فقد أخطأ، بل كانت قلوبا مظلمة سوداء، يعشش فيها الخراب، والخرافة، والعصبية، والاستبداد بالنسب، والقوة، والمال، والجاه. قرعت أذنه آيات قصيرات من أي سورة مكية، فكانت كفيلة بفتح باب الصعود من السفح إلى القمة، أبكته، وفعّلت عقله، وغيرت مساره، وقلبت كيانه، حتى صعق الكافرون بذلك التحول، فقالوا (لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه) وحالوا دون وصول آياته إلى الآذان، لأنهم أيقنوا أنها تنتقل من الأذن إلى القلب، وإلى العقل، ثم إلى السلوك. هناك سر ولا ريب، فقلوبنا لا شك أنها أطهر من قلوبهم حين كانوا مشركين، فكيف شق القرآن طريقه إلى قلوبهم وهم مشركون؟ كيف غير حياتهم التي أدمنت التحرر من قيود غير قيود السلطة التي تكسبهم عز الدنيا وفخرها؟ كيف تحررت أعناقهم من سلاسل العادات والتقاليد وانطلقوا يصلّون ويتلون ويهاجرون ويؤوون وينصرون ويؤثِرون، تآلفوا كما لم يأت في التاريخ قبل ولا بعد مثل تآخيهم، كيف صقلت الآيات آثار الجاهلية كلها من قلوبهم، ونقت أنفسهم من حظوظها. كيف تجاوزت الآيات تلك العقبات والسدود والجدر المصمتة من موانع الخير والتلقي حتى بلغت سويداء القلوب فعانقتها، وأخذت بأيديها لترتقي في سماء الطهر والنقاء. إن كانت الآيات هي الآيات، والقرآن هو القرآن، والآذان تتلى عليها الآيات في الصلاة وفي مجالس الذكر والمواعظ، فإنها حتما لم تصل إلى القلوب، إذ ما يلبث أحدنا أن يرجع إلى سابق عهده بعد أن بكى، وخشع، وانتحب، يرجع ليستمر في معاملته السيئة لأهله وأولاده، لا يقلع عن أكل مال يتيم، أو ربا، أو ظلم، أو أي شيء كان يفعله قبل الآيات، وظل على منواله بعدها! فلا شك حينها أن هناك خللا ينبغي البحث عنه، وبذل الوسع في إيجاده، ليمكن علاجه، وليمكن تغيير حال المسلمين اليوم، هذه الحال التي لا يشك عاقل أنها في سفح التخلف، سفح يعج بالتطاحن والخلاف المشعل جذوة الفرقة والتباغض والاقتتال.