يمضي وينتهي كل شيء مُعاش.. إلى غير رجعة.. إلا الذكريات.. يبدأ الإحساس بجمالها.. وحلاوتها يزداد بعد أن تُوغِلَ في مضيها أكثر فأكثر.. كأن لم تكن مكاناَ وزمانا.. ويزداد استحضار واسترجاع تلك الذكريات بقوةٍ وحضور فاعل عذب (لرجعِ صداها الحاكي) فالذكريات هي الذكريات عندما يتطاول العهد والزمان بطيها.. بُعداَ .. والنأي والمكان بحجبها فراقا.. كانت الذات فيه في قمة حبورها وسعادتها.. لكنها كانت تحس وتحسب ما تعيشه من سعادةٍ آنذاك.. رتابة وروتينا.. وتتطلع لما ترجوه وتظنه من سعادةٍ في حاضر استقبل ومضى.. أو حاضر تعيشه الآن والمستقبل المرجو لهذا الحاضر.. غير راغبة في التواصل الآني والمحسوس ساعتها.. ورحمكما الله يا أمير الشعراء أحمد شوقي وفنان الأجيال محمد عبدالوهاب.. فكم هي رائعة: ياجارة الوادي طربت وعادني ما يشبه الأحلام من ذكراكِ مثلت في الذكرى هواك وفي الكرى والذكريات صدى السنين الحاكي وتعطلت لغة الكلام وخاطبت عيني في لغة الهوى عيناكِ وفي نهاية الثمانينيات من القرن الماضي ذهبت بصحبة أحد الأصدقاء إلى سوق الحمام في الرياض.. بحثاً عن طفولتينا.. في شروخة ابوديك أو شمس النهار أو حمامة جميلة.. فاستقبلتنا بائعة ذربة وملوسنة.. فاستغربت آنذاك عن الرابط بين الطراطيع والحريم.. فالبائعة امرأة تتصرف بذرابة وجرأة قل مثيلها.. حتى عند بعض الرجال.. وقد يكون سبب ما تتصف به من صفات خشنة.. هو أنها تأثرت بطبيعة وخشونة ما تبيع وبمن يبتاع منها.. من صبية ورجال.. فكأنها رجل في عباءة امرأة أو رجل تحول إلى امرأة.. لا تؤثر على طبع الرجل فيها أو تطبع المرأة الذي هو في أول مراحله.. ولمن يريد مشاهدة تلك المرأة العجيبة.. فليذهب لسوق الحمام في الرياض.. ويسأل عن امرأة إن كانت على قيد الحياة ولم تغير تجارتها.. حيث كان مبسطها يتوسط محلات بيع الشروخة والطراطيع.. امرأة كانت في بداية الأربعينيات من عمرها قبل عقدين من الزمان أو يزيد كما قلت.. وإلى سوانح قادمة بإذن الله *مستشار الطب الوقائي في الخدمات الطبية.. وزارة الداخلية.