في صيف 2010 اكتشفت بنفسي أحد أسباب الثراء الذي ترفل فيه أندية عالمية كبيرة مثل إي سي ميلان وبرشلونة وريال مدريد.. فرغم أنني لا أحب الكرة - وأتحاشى زيارة أي دولة مرتين - وافقت تحت ضغط ابنَيّ "حسام" و "فيصل" على زيارة ايطاليا وأسبانيا لدخول هذه الأندية بالذات!! وأعترف أنني فوجئت - بعد وصولي - بحجم الإقبال الكبير على زيارتها من قبل جنسيات عالمية مختلفة. كنت أظنني المجنون الوحيد الى وافق على زيارة ملعب فارغ، وغرف تغيير ملابس، وحمامات يستحم فيها اللاعبون، ورؤية كرات "منسمة" لُعبت بها مباريات حاسمة.. كنت أعتقد أنني الساذج الوحيد الذي وافق على شراء "فانيلة" بخمس مئة ريال "وجزمة" بسبع مئة ريال وصورة مفبركة مع "ميسي" بألف ريال.. ولكن الحقيقة هي أنني كنت أمشي بين حشود ضخمة لدرجة اعتقدت - لأول وهلة - أنها داخله لرؤية مباراة حقيقية.. وفي حين كدت أصاب بالإغماء حين أخبرني موظف الكاشير بالمبلغ الذي يتوجب علي دفعه (في متجر برشلونة) دفع رجل ألماني قربي مبلغا يفوق فاتورتي بخمسة أضعاف دون أن تختفي الابتسامة عن وجهه!! وحين ضربت متوسط ما يدفعه كل زائر (في) حشود السياح التي رأيتها حولي توصلت الى أن هذه الزيارات (لوحدها) كفيلة بتحقيق نصف مليون ريال لكل ناد كمتوسط يومي!! .. ولاحظ؛ رغم ضخامة هذا المبلغ؛ أنه لا يشكل سوى جزء بسيط من مداخيل الأندية العالمية.. فزيارات السياح ينظر إليها فقط كدخل إضافي يستفاد منه في أوقات الركود وتوقف الدوري، ولا يمكن مقارنته مثلا بمداخيل التذاكر، وحقوق البث، وتسويق الشعارات، وبيع المنتجات، وجولات اللاعبين، وبيع الموهوبين واستقطاب النجوم!! .. وعلى ذكر النجوم.. يتذكر الآباء مثلي كيف انتقل مارادونا لنادي نابولي عام 1984 بعشرة ملايين دولار، وكيف كان هذا المبلغ حينها كبيرا وقياسيا لدرجة انتقد البرلمان الايطالي نادي نابولي وتساءل خبراء الرياضة إن كان مارادونا - على براعته - يستحق هذا المبلغ الخرافي. غير أن صناعة الكورة ازدهرت بعد ذلك بسرعة كبيرة بفضل عائدات الإعلان، ومهارة التسويق، وحقوق استعمال الشعارات - ناهيك عن حقوق البث على مستوى العالم.. وهكذا بدأنا نسمع عن تعاقدات خرافية وصفقات غير مسبوقة تجعل مارادونا مثل - ماجد عبدالله - يضرب كفا بكف ويتحسر على عدم بروزه في زمن الانترنت والمحطات الفضائية. خذ على سبيل المثال صفقة انتقال البرتغالي كريستيانو رونالدو من مانشستر ب 94 مليون يورو، والفرنسي زيدان من يوفنتوس ب 75 مليون يورو، والبرازيلي كاكا لريال مدريد ب 65 مليون يورو (وهذه المبالغ بالمناسبة لا علاقة لها برواتب اللاعبين أو عقود الإعلانات أو بيع التجهيزات التي يروجها اللاعب)!! ومثل هذه الأرقام الكبيرة تسببت بظهور اتهامات وشبهات غسيل أموال تتم في أندية عريقة مثل برشلونة ومانشستر يونايتد وباريس سانت جيرمان.. ولكن الحقيقة هي أن "الكورة" نفسها تحولت الى صناعة مربحة "والأندية" إلى مؤسسات استثمارية تحقق أرباحا تفوق قيمة كل لاعب على حدة.. فنادي ريال مدريد مثلا استقطب عام 2003 اللاعب الإنجليزي ديفيد بيكهام ب 35 مليون يورو، ولكن بيكهام حقق له عائدات غير مباشرة تجاوزت 500 مليون يورو، ناهيك عن ازدهار شعبية النادي نفسه في انجلترا وبقية العالم!! ولأن بيكهام ماهر بالرياضيات أكثر من ركلات الترجيح لم يجدد عقده مع الريال وتعاقد بصفة شخصية مع لوس انجلوس غالاكسي مقابل 250 مليون دولار في صفقة انتقال حر تعد الأغلى في تاريخ كرة القدم!! .. على أي حال.. لا أريدك أن تتوقف كثيرا عند هذه الأرقام لأنها لن تتوقف طويلا عند هذا المستوى.. فخلال عشر سنوات من الآن سنراها ضئيلة وتافهة مثل عقد مارادونا.. أما بعد عشرين عاما فلن نفرق بين الملايين والمليارات وسنتساءل (كما هو حالنا اليوم مع العقود الحكومية): "يا جماعة المليار صار كم مليون بالضبط"؟!