والكتابة تشبه الأغنية الحزينة أنا والعذاب وهواك ، لكن من الممكن أن أعكسها جمالًا فتكون (أنا والكتابة وهواك).. حيث هي عشق يتشكل في القلب ويمتد . الكتابة أحيانا تكون نافذة واسعة تفتح على العالم من حولنا، بل هي التي ترسلنا للعالم . تأخذنا كما نحن بعفويتنا ومشاغباتنا وتكشفنا للعالم من حولنا أو أبعد كثيرا. فيها أحيانا جمال كجمال حديقة غناء تحديدا عندما تكون أدباً.. يسمع حفيف الشجر، وصمت الليل، ويشم رائحة ورود غير مرئية .. وهي التي تعلمنا كيف نرقص بين الكلمات دون حركة ، وتسمعنا أغاني بلا صوت ..تهبنا متعة جميلة من معلومات وحلم يتخلق لنا منه أجنحة أمل . الأدب عندما يقدم نفسه تقديما جميلا، يجعل من الفكرة تتجلى أنيقة لاتنسى فيعانقها الأسلوب، عناق عشق يتولّد مخلوقا حلوا يصل لقلب وعقل المتلقي . ومن خلالها ينثر الكاتب شيئاً من ذاته، يبقى بعضها مغمورا لوقت آخر .. لكنه في الأدب يحاول أن يقدم خبزته الطازجة ذات النكهة المميزة عن غيره بما تخمر فيها من ذكريات ومعلومات وجماليات وإحباطات.. لذا قد تتشابه اشكال الخبز وتختلف النكهات .. الأسلوب الذي يجعل الكاتب يخشى دائما أن يغافله فيسرق الفكرة ويطير بها أو يحجبها .. وعندما تضيع الفكرة في خضم العبارات الجميلة ، تكون الكتابة هذرا لا تساوي قيمة حبرها .. لقد حذرنا سيد الكتاب العباسي (الجاحظ) من مغبة ذلك والتزم أغلب الكتاب بأمر الأستاذ .. ليس فقط كونهم تلاميذ نجباء، لكن تلاميذ يهمهم وصول الفكرة سالمة عبر دروب الكتابة، في الوقت ذاته لا تقف صارخة وسط الطريق فيتناولها سريعا من في قلبه شيء من مرض.. الكتابة هي كائن عجيب، كثيرا وتسرق منا لحظات لها ثم تعود بنا لترمينا .. تشاغبنا كطفلة تجر أمها لشيء خاص تريده ، هي كمن يغار من الجلساء فتبرق مصرة على الإمساك بها فإذا ما فلتت اللحظة، حرنت في أقصى ركن من الذاكرة، وراحت تنظر نظرات غضبى نزقة لأنها تعرف دلالها.. إنها هبة شرفنا الله بحملها وهذه المهمة التي بعضنا يخوض غمارها قد يمارس بعضها بمهنية عبر كتابة المقالات .. تكفي الفكرة لكتابتهاا خلال وقت وجيز بسهولة لذيذة إن كان بإمكاننا استعمال كلمة اللذة هنا .. وأعتقد أن الكتابة تمنحنا شعور اللذة وهو شعور لا يختلف عن الإنجاز الجميل، وهو إنجاز من نوع يختلف عن إنجاز عمل يوكل إلينا إنما هو عمل يتخلق في داخلنا، سمعت مقولة جميلة للكاتب الكبير (باولو كويلو) مؤلف الرواية الرائعة (الخميائي) يقول :(المعرفة مهمة جدا، ولكن الحلم وهو الأشد أهمية لعالم الكتابة). لذا فالكتاب الحقيقيون حالمون دائما.. ولعل ذلك الحلم هو اللذة التي يستشعرها بعض الكتاب.. لذة العيش في الحلم .. لذا أظن أغلبهم يعيش هذا الحلم ولا يريد تركه، رغم المعرفة أنهم يقفون على أرض الواقع .. هي وعرة وسهلة بالوقت ذاته ، ولكن الحلم هو الذي يشرق بها ويجعلها خضراء جميلة تسر الناظرين. ولي عودة عن الكتابة وأصدقائها ..