لايمكن فصل الفساد عن المنظومة التي تحيط بها. الشخص الفاسد لديه من يدعمه ويحميه. وبعضهم ينكشف فساده حين يتخلى عنه «الظهر» الذي كان يستند عليه. مع كل تحقيق قضائي حول المسائل المالية أو الأراضي المنهوبة أو المغتصبة تنكشف فضائح لا تعد ولا تحصى أقل ما يقال عنها أنها جرائم ضد المجتمع بأكمله. الشخص الفاسد لا يسيء فقط لصاحب الحق المغتصب، بل للمجتمع كله، وكما أن صلاح الفرد صلاحٌ للمجتمع، فإن فساده فيه إفساد للمجتمع، كما أن الذي يقتل نفساً فكأنما قتل الناس جميعاً. وهذه هي الخطورة في مجال الفساد الذي تتكاثر فطرياته هذه الأيام من دون محاسبة تذكر. نقلت صحيفة (عكاظ) مضمون تحقيقٍ مع كاتب عدلٍ مزوّر قبل أيام، وجاء في الخبر أن:»المتهم الثاني وهو كاتب عدل في المحكمة (متهم بتزوير خمسة صكوك) قد سأله القاضي عن مسار إجراء إصدار صك جديد، فرد بأنه يصله في اليوم 50 صكا ولا يمكنه معرفة التزوير لعدم خبرته فيه، ولأن دوره ينحصر في تحويل الصكوك التي ترده إليه إلى رئيس كتابة العدل الذي يحولها بدوره إلى رئيس المحكمة ومن ثم تعود إلى رئيس كتابة العدل الذي يحيلها إليه بأرقام وتواريخ، وأقر أمام الدائرة بأنه هو من قام بإفراغ الصكوك ولكنه لا يعلم أنها مزورة»! كاتب العدل هذا ليس إلا النموذج الماثل أمامنا لغيره من كتاب عدلٍ آخرين لا يزالون يؤدون أعمالهم ولديهم قضايا فساد لم تكشف، وربما يقرأ بعضهم مقالتي الآن، وهو يمارس كل صلاحياته الوظيفية! هؤلاء لديهم من يستندون عليه ممن لا يُحاسب أو يعاقب أو يطاله القانون والنظام. والمثل العامي يصف هؤلاء بأن «أيديهم بالماء»، نظراً لعدم استطاعة أي آلية رقابية أن تعاقبهم أو أن تحاسبهم، وهذه هي المشكلة. الكثير من الأراضي في مناطق مختلفة من السعودية أُخذت بشخطة قلمٍ من كاتب عدل، أما إذا كانت الأراضي للحكومة فلا تسأل عن الاغتصاب للأرض وبخاصةٍ حين تكون الأرض حديقةً للحي أو مخصصة لبناء مسجد إذ سرعان ما تتناهبها الأيدي، وتسيل لها الأحبار على وريقات الصكوك. بآخر السطر فإن المشكلة في الفساد أنه غامض وغير واضح ويحتاج إلى من ينقب عنه، هيئة مكافحة الفساد عينها قاصرة، ويبدو أن ذلك لأن يدها قصيرة وهذه هي ذروة الإشكال.