إسرائيل هي الراعي الرسمي للنظام البعثي في سورية، وهي التي حافظت على تواجده مهيمنا مطبقا على أنفاس الشعب السوري لما يزيد على النصف قرن تحت حماية شعارات النضال والمقاومة. النظام البعثي وصل إلى القصر الرئاسي في دمشق فوق دبابة، ولكن فوهتها لم تكن موجهة إلى إسرائيل بل إلى صدر جميع الطموحين والثرثارين والذين يسرفون بالتحدث حول الأمور السياسية سواء في سورية أو لبنان.. حاول النظام تمييز سورية عن بقية دول المنطقة بجعلها دولة مواجهة، ولكن الأحداث كانت دوما تثبت أن أمن إسرائيل هو جزء من أمن النظام البعثي، وليس للشعوب سوى الشعارات واللغو السياسي والتشنج اللفظي الذي يمنح الدبابة شرعيتها، تلك الدبابة التي كانت ومازالت تحمي القصر الرئاسي في دمشق . وتحولت سورية العريقة مهد الحضارات التي عمرها آلاف السنين رويدا رويدا إلى ثكنة عسكرية اختفى فيها الفعل الحضاري والتنموي، وخضعت لمؤسسات أمنية متسلطة شرسة سيطرت على أوصالها وعلى كل المؤسسات المدنية والديمقراطية التي كان الشعب السوري قد بدأ التأسيس لها بعد تحرره من الاستعمار الفرنسي حتى بلغ الأمر ذروته بالاستهانة بالشعب وتاريخ نضالاته وحقه الدستوري في المشاركة عندما قام النظام البعثي بتوريث السلطة والهيمنة على الحياة السياسية، وحجب جميع أشكال المشاركة الوطنية والشعبية . فلم يكن هناك سوى أفواه ببغاوية مرعوبة تمجد صباح مساء بالحزب وقائده، وجهاز مخابراتي شرس يبث الرعب في الأوصال. لم يكن هناك تنمية زراعية تستثمر في حضارة زراعية قديمة وشعب عريق، لم يكن هناك تنمية في البني التحتية فالصور التي ينقلها لنا الإعلام لأحداث سورية الآن ومجازرها تظهر بلدا متقشفا فقيرا خاليا من المقومات الحضارية، حتى الجيش الذي كان هو محور قوة نظام عسكري كان يعتمد في جل تسلحه على مخلفات الجيش الروسي بعد الحرب الباردة، فلم يستطع النظام هناك أن يؤسس جيشا حديثا قويا يوازي حجم سورية كدولة مواجهة. أرسى النظام في سورية أمنه عبر إخلاصه لدور البوليس السري لإسرائيل : 1- حفظ جبهة الجولان 2- حفظ فصائل المقاومة الفلسطينية المشاغبة والطموحة في مخيمات تحت المراقبة في سورية 3-الوسيط الدبلوماسي مع إيران . ولكن مع ثورة الشعب السوري الأخيرة، ومع تضييق الخناق على النظام الذي سبق أن هدد بسياسة الأرض المحروقة وإشعال المنطقة في ظرف ست ساعات، وجد النظام أن حله الوحيد هو الهروب إلى الخارج، وإيجاد بؤر توتر خارجية من الممكن أن تجعل من الشعب أن يلتف حول النظام من جديد قبل أن يتهاوى فحاول أن يشعلها في لبنان عبر سلسلة اغتيالات، وحاول أن يشاكس الحدود مع تركيا ولكنه لم يحرز تغييرا، وأخيرا حاول أن يقوم بفعل انتحاري عندما وجه نيران مدفعيته إلى إسرائيل في الجولان، متخيلًا أنه مازال هناك جوقة (القومجية) الذين يطبلون له كما طبلوا لسلفه صدام من قبله عندما كان يرمي (تل أبيب)بالصواريخ صباحا ويرمي بها (الرياض) مساء أثناء حرب الخليج. لكن جميع هذا حتماً لن يجدي فبعد النصر الذي حققته المعارضة مع ائتلاف الفصائل في (الدوحة)، وبعد أن ضاق الخناق وبلغت التراقي، غدا النظام الآن كمخلوق هائل مذبوح ويتخبط ويقوم بالعديد من الانتهاكات والخروقات، وحتماً لن ينفعه الآن أن يطلق مفرقعاته على الراعي الذهبي وصمام أمانه.. إسرائيل ! وراعيه الذهبي التي منحته المشروعية طوال نصف قرن.