كشف عالم الآثار السعودي الدكتور خليل بن إبراهيم المعيقل عضو مجلس الشورى في محاضرته بنادي الطائف الأدبي النقاب عن كنز تاريخي ناطق بحضارة موغلة في تاريخنا العربي في واد من أشهر الأودية التي تناولتها كتب الرحلات والأدب وهو «وادي القرى» بقرح بمدينة العلا بالشمال الغربي للمملكة الذي نسب له الشخصية الشعرية المعروفة ب«جميل بثينة» في القرن الثالث أو الرابع الهجري. ويبدو أن نادي الطائف الأدبي كان موفقاً في توقيت محاضرة المعيقل لبداية موسمه الثقافي كونها تحمل السبق في طرح نتائج البحث الأخيرة التي تمت بالمنطقة في الشهرين الماضيين. وقد تطرق المحاضر إلى حمله الوادي من وجود آثار لمبنى متكامل الأجزاء تقريباً يحمل الأعمدة المرصوفة من الآجر والساحات المكسية بالجص، علاوة على أماكن متطلبات الحياة كصناعة الغذاء وجلب المياه عن طريق قناة ممتدة تحت أرضية المبنى الذي طمرته الكثبان الرملية والتغيرات البيئية، كما وجد أواني منزلية وكتابات حجرية كتبت بالخط الكوفي المورق. علاوة على استخدام قواعد حجرية منقولة تحمل نقوشاً عن حضارة تعود للعهد النبطي وتمت أعمال الحفر والتنقيب بواسطة فريق عمل من قسم الآثار والمتاحف بجامعة الملك سعود. ونوّه المحاضر بما تطرق إليه الرحالة المقدسي في كتابه حين وصف الوادي الذي تطابق مع بحثنا عنه على واقع الدراسة بالمكان، وعرض المعيقل بعد ذلك للشواهد الأثرية التي رفعت بالمكان من خلال رصد موثق بالصور أضافت للمحاضرة القرب المعرفي والتفاعل في طرح تداخل نخبة من المهتمين بالشأن التاريخي، كان من ضمنهم المؤرخ محمد قاروب عضو مجلس الشورى الذي شكر للمحاضر جهده البحثي في رصد واستنطاق آثار وادي قرح العلا لتكون شاهد عيان على رقي الفكر العربي. ونفى لما يسم به المستشرقين حضارتنا العربية والإسلامية من تعميم لبعض السلوكيات السلبية. ثم أضاف القاضي عقيلي الغامدي أن الكشف عمّا تخفيه الجزيرة العربية من كنوز تاريخية سيضيف بعداً سياحياً عظيماً للمملكة في ظل استقلالية منهجية لهيئة السياحة وحث عقيلي الباحثين على تكرار الكشف لمواقع تاريخية قديمة كمدائن صالح لفك أسرار مازالت رهينة التغييب، كما طرح الدكتور محمود عمار أن الجهل الذي أطلق على من سبقوا الإسلام هو جهل يحمل الطيش والسفه وليس جهلاً معرفياً. ثم أضاف: إن الخط العربي يتمازح مع الخط النبطي، فهل استطاع الباحثون استقراء هذه الخطوط وما تحمله من مرجعية زمنية. وتداخل الدكتور عاطف بهجات بقوله: إن هذا الكشف الثمين سيضيف للدارسين آفاقاً جديدة لتخرج لنا دراسات مقارنة أدبية ستكشف عنها البحوث القادمة. المحاضرة التي امتدت لزمن أطول من المعد لها أثارت تفاعل الحاضرين الكثيف رغم توقيتها المتوافق مع مساء الأربعاء المثقل بالمناسبات والفعاليات على أصعدة أخرى ليتجاذب المعيقل الحديث عن الحضور أيضاً عقب نهاية المحاضرة. وقدَّم للمحاضرة المؤرخ الدكتور عائض الزهراني وأدار دفتها مع الضيف بفكر مختص ممنهج، فكلا الشخصيتين أعضاء في الكثير من الجمعيات التاريخية. الضيف أجزل الشكر لنادي الطائف الأدبي على الاستضافة وإتاحة فرصة القيام بجولة تاريخية لمعالم الطائف الأثرية في اليوم التالي بصحبة عدد من مؤرخي الطائف.