يُلاحظ بأن (الحظ) هو أكثر الذرائع شيوعاً لتعليق تقصيرنا وتخاذلنا في أي شأن من شؤون الحياة، ولا تكاد تُقابل شخصاً إلا واشتكى لك من حظه العاثر ومن ملازمة النحس له، فالإنسان بطبيعته يعجز عن تذكر الأيام والفرص الكثيرة التي كان الحظ حليفه فيها مع أن ذاكرته تستطيع بكل سهولة استدعاء المواقف والفرص القليلة التي ضاعت عليه ولم يسعفه حظه بالاستفادة منها وانتهازها، ويقوم بعد ذلك بممارسة هوايته المفضلة في لعن حظه والتباكي على تلك الفرص الضائعة؛ ومن المقولات الجميلة التي لفتت نظري حول هذه المسألة قول المبدع عبدالرحمن حمد: "الحظ علكة يشغل بها المتخاذل فمه لكنها لا تُشبع بطنه"، فهذه المقولة البديعة تُشير لحقيقة واقعة تتمثل في استخدام كل مُقصر ومُتخاذل للحظ كذريعة لا تُضيف لحياته جديداً لكنها قد تُعفيه من تحمل مسؤولية تقصيره وتخاذله. ويشترك الشعراء مع غيرهم في الشكوى من تردي الحظ ومن دوره في رفع من هُم أقل شأناً وموهبة منهم فوق مكانتهم، ومع أن كثيرا من تلك الشكاوى يمكن تصنيفها على أنها (علك) للتسلية ولتبرير قصور الإبداع الشعري إلا أن هناك حوادث وشواهد قرأنا وسمعنا عنها تؤكد على تأثير عامل الحظ في خدمة بعض الشعراء على حساب غيرهم، فكم رأينا من شاعر هزيل أو متواضع المستوى تُستقبل قصيدته بالإعجاب ويحظى هو بالاحتفاء والتقدير في حين لا تجد قصيدة الشاعر المبدع على الرغم من روعتها وتفوقها أي قبول ويخرج مبدعها دون أي ثناء أو تقدير، وقد ذُكر لي بأن اثنين من الشعراء قاما بإلقاء قصيدتي مدح أمام أحد الأثرياء طمعاً في عطائه، فكانت المفاجأة أن مكافأة صاحب الموهبة الأضعف والقصيدة المتواضعة أضعاف مكافأة الشاعر ذي الموهبة العظيمة والقصيدة المتميزة! ومن الطريف أن الزمخشري قد أشار في باب (البخت وذكر الإقبال والإدبار والسعد والنحس) من مؤلفه: (ربيع الأبرار) لشعراء رفعهم حظهم مع تخلفهم شعرياً، ومن أولئك: مروان بن أبي جنوب الذي كان كما يذكر الزمخشري "من المرزوقين بالشعر مع تخلفه فيه، أعطاه المتوكل مائتي ألف دينار من ورق وذهب وكسوة، وقلده اليمامة والبحرين وطريق مكة، واختصه بمنادمته، وكان لا يزال يكرمه ويخلع عليه"، ومنهم أيضاً المعتمد على الله ابن المتوكل الذي كان "يقول الشعر المكسور فيكتب بالذهب، ويغني به المغنون"..! قد يُعلل بعضنا حدوث مثل هذه الأمور بعوامل أخرى غير الحظ كعامل العلاقات الشخصية أو الذوق الخاص الذي يتحكم أحياناً في نجاح وقبول العمل من عدمه، لكن بعض الأبحاث أشارت بصراحة إلى تدخل عامل الحظ في نجاح العمل الأدبي وصاحبه بنسبة لا تقل عن 20% تضاف لنسبة الجودة والإتقان.