ترافقها أسئلة الحياة كل لحظة من حياتها . ترفض أن تفارقها ، بل تبدو لها أحياناً وكأنها الفضاء المفتوح الذي تنكفئ داخله ، ويحيطها من الخارج . الحياة الهم .... الحياة الفرح ... الحياة وهواية ممارستها والاستمتاع بكل تفاصيلها . منذ بداية سنوات المراهقة احترفت كما تقول هواية حب الحياة ..التدفق داخل أوردتها ...الاستعداد الدائم لحبها ... مهما كانت التكاليف في المدرسة كان والدها ينتظر كثيراً قبل أن تخرج من البوابة ، وكانت تعرف ردة فعله القاسية هو وأخيها من بعده. قد يضربها في السيارة ، وقد يعنِّفها بألفاظ قاسية ومريرة وقد يشتمها شتائم موجعة ، في البداية كانت تتألم ، ولكن لا تحتج ، فقط تعتذر بأن البوابة زحمة ، أو أنها خرجت ولم تشاهده ،أو أن المعلمة أخرتهن في الفصل وكلها في المحصلة مبررات غير صحيحة ، فقط كانت تتأخر لأنها تحب أن تبقى مع زميلاتها ، تريد أن تستمتع بالناس ، بالضحك ، بالحياة ، وتعاود تكرار ذلك كل يوم رغم معرفتها بما ينتظرها من والدها أو أخيها عندما التحقت بالجامعة . تقول لها والدتها إن داخلها متبلد ، وأن البرودة تجري في شرايينها ، فهي لا تنفك تُضرب رغم أنها الآن في العشرين ، أو تُشتَّم ، والأمور تجري معها بعادية شديدة وحتى دون دفاع عن نفسها ، أو تجنب ، مايمكن أن يدفع والدها إلى ضربها. كانت تتصيد اللحظات برؤاها أحياناً من أجل أن تغادر المنزل لتخرج مع والدتها فقط بصفتها الأكبر في البنات ، تذهب إلى جدتها وتشعر بسعادة بالغة ، المهم أن تغادر المنزل وتتنفس هواء الشارع ، وتلحظ الوجوه وهي تبتسم ....وتتحرك ....وتعيش الحياه.... أدركت مبكراً أن القوانين التقليدية في المنزل لا يمكن تجاوزها أو كسرها ، فوالدها يرى ، ويفسر ، ويقرر أن البنت لا تخرج قبل زواجها إلا إلى المدرسة أو ترافق والدتها ، رغم أنه رجل متعلم نوعاً ما ، ولطيف مع أصدقائه كلما سمعته يتحدث معهم بالهاتف. قريب من الآخرين ، ولكنه بعيد عاطفياً عن الأسرة ، يحقق كل احتياجاتها في حدود ما يستطيع ، ولكن لا يجعلها تتنفس الهواء النقي والطبيعي ، في الحركة والاستمتاع بالحياه. هذا الانغلاق تشكَّل منذ أن امتزج وعيها بمفاهيم هذه الأسرة والتي حاولت أن تصل إلى أسبابها وهي أن والدها عاش طفولة قاسية جداً توفيت والدته وتركه والده بعد أن تزوج لدى جدته ، ولم يجد الحنان الكافي ، وحتى عندما تزوج وأنجب لم يستطع أن يتخلص من إحساس مضى عليه الزمن ، ولم يحاول اقتناء لحظات الحياه التي عُرضت أمامه مجاناً ، أو حتى يحتفي بلحظات الحب مع الأسرة ، والأطفال . كان قاسياً بل وحاول أن يوّرث هذه القسوة لأبنائه من منطلق أن الحياة لا ترحم ، وأنها أرض غنية بالهموم والأوجاع ، ومن الطبيعي أن تختزل كل هذه الأوجاع في أفق رحب ، تضيق دائرته مع المقربين . لم تدمن الحياة التي عاشتها ولم تتراكم داخل وعيها ، ولم تظن أنها سوف تسلكها عندما تخرج من هذا المنزل ذات يوم . سيطر عليها حلم اختيار حياتها المستقبلية بالشكل الذي تسمع عنه ، وقرأت عنه أيضاً ، والطبيعي كما تتخيل . أدركت ما تريد ولذلك احتملت ماهي عليه من الجفاف العاطفي ومن الخوف عندما يدخل الأب إلى المنزل ، ومن الرعب الذي يسيطر على الأسرة أثناء تناول الطعام الصامت ، ومن عدم سماع كلمة ناعمة من والدها لوالدتها أو شكر أو تقدير ، أو حتى تبادل لحظات الفرح في ساعات النجاح والتفوق . هو منزل جامح في قسوة تعامله ، وكل شخص داخله يعتقد أنه غير مسئول عن هذا الجموح. هو منزل مغموس في ألوان التباعد كما اعتقدت ، والانغلاق ، والماضي الذي هم فيه وهو إرثهم الوحيد . لكن هي لا تريد أن تستمع إليه ، أو يصل اليها ، اختارت أن لا تورث شيئاً من الماضي ، ستورث المستقبل حتى وان كان حتى هذه اللحظة صورة في ذهنها . ويبدو أن لحظة مغادرة هذا الإرث المرفوض قد حانت كما اعتقدت . تقدم أحدهم لها وهي في العشرين لم تكمل كليتها ، وافق والدها بسهولة ، وقال إنه يعرفه موظف ومحترم لم يسألها والدها ، وخلصها من إحساس صعب كانت ستعيشه وهو الموافقة بدلاً من الصمت ، تريد أن تهرب ، تغادر ، تعانق الحياة وتقترب من الناس الذين لا تعرفهم ، تعيشهم ، تذهب إلى السوق ....تتسوق .....من مالها ....تختار .... يتبع بعد غد