لا أزال أتذكر صورة معبرة لامرأة غربية تضع يدها على رأسها لإحساسها بالإجهاد الشديد والإرهاق، وكُتب أسفل الصورة مرهقة؟ نعم - إجازة؟ لا! وجاءت الصورة معبرة لتحقيق عن الأمريكيين، وكيف يحجمون عن التمتع بإجازاتهم خوفاً من فقدان وظائفهم. ويسجل التحقيق ان تفشي ظاهرة البطالة والتدني الاقتصادي في أمريكا والعالم أجمع جعل أرباب العمل القساة والشركات يطلبون من موظفيهم العمل ليل نهار وطوال أيام العام. هذا جعل الموظفين يشعرون بالذنب عند الحديث عن الاجازات، وقد أطلق خبراء الموارد البشرية على هذه الظاهرة اسم التعطش للإجازة. ويخشى الموظفون ان طالبوا بحقهم في الإجازات ان يعودوا ويجدوا خطاب إنهاء الخدمات، أو يتم تجاوزهم من العلاوات السنوية أو الترقيات. كما ان 12٪ من الأمريكيين يرفضون أخذ أي اجازة لأنهم يخشون العودة منها وهم أكثر نشاطاً ورغبة في الانتاج ليفاجأوا بوجود موظفين آخرين يحتلون طاولات مكاتبهم. ويبلغ متوسط الاجازة السنوية في أمريكا 16 يوماً، وفي ايطاليا 42 يوماً، وفي فرنسا 37 يوماً وفي بريطانيا 28 يوماً، وفي اليابان 25 يوماً كل عام، وهي الدولة التي يشتهر مواطنوها بحب العمل، والقدرة على الانتاجية لساعات طويلة، حتى ان أحد اليابانيين منذ حوالي العام وكما نشرت الصحف قد أقدم على قتل أمه لأنها اتصلت عليه عدة مرات وعطلته عن العمل. هذا الياباني الذي ارتكب الجرم الأكبر والأبشع اين هو عن مواطني الأمة العربية، الذين يهدرون ساعات الدوام في التحدث بالهاتف، ليس مع أمهاتهم، أو زوجاتهم، أو أسرهم بل مع الأصدقاء، وغيرهم، يتناقشون في حركة تداول الأسهم كل يوم من العاشرة إلى نهاية الدوام يسألون عن فلان وعلان، ويخططون لإجازاتهم، وأين سيذهبون في المساء، أو في نهاية الأسبوع، يحللون الدوري في الهاتف، أو الزملاء حولهم، ويطرحون برامج الأمس في التلفزيون، ويقرأون الصحف الصادرة والتي لم تصدر. يتمتعون بساعات فراغ رغم انها من المفترض ان تكون ساعات عمل، يحصلون على كل الإجازات بأنواعها المرضية، والاضطرارية إضافة إلى شهر الإجازة السنوية، والأعياد رغم أن بعض أصحاب العمل في أمريكا يقفون أمام الإجازات المدفوعة، من خلال حسمها من الإجازات السنوية، فلا مرضي أو اضطراري مدفوع. وبالتالي هذا يدفع الموظف إلى عدم الحصول عليها، والاكتفاء بالحلم في ان يحصل على إجازة. إجازتنا الرسمية نحن 30 يوماً إضافة إلى 30 يوماً اجازة رمضان وعيد الفطر، وعيد الأضحى أو تقل خمسة أيام مثلاً. ومع ذلك يشتكي البعض من ضيق الاجازة، ويمنح نفسه إجازات أخرى تتراوح بين المرضي والاضطراري، والخروج المتكرر من العمل، يصاحب كل ذلك ضعف في الانتاجية، وتعطيل لكثير من مقومات العمل الناجح. المشكلة ان العلاوات ثابتة للضعيف والممتاز، والمجتهد، والكسول، ومن تكثر إجازاته، ومن تقل. وإذا قام موظف عربي حكومي بعمل احصائية دقيقة للأيام التي داوم فيها وعمل في كل دقائقها دون ان يستخدم الهاتف، أو يبدد ساعات في مهمات لا ترتبط بالعمل، سيجد انها محدودة جداً، ولابد انه قد استخدم الهاتف، أو خرج لأي مهمة لا تتعلق بعمله، سيكتشف كم هي كثيرة أيام الغياب، والاستئذان، والحضور دون فاعلية. قليلون جداً هم الموظفون الذين يعملون دون غياب، ودون تبديد للوقت ولكنهم ما ان يصلوا إلى الستين حتى تنتهي كل ملامح الحياة الوظيفية لديهم، وتبدأ مرحلة الاسترخاء، والجلوس الإجباري، وإغلاق مرحلة من العمر، من المفترض ان تقيّم وتعطى الصورة الحقيقية لها. وآخرون اصبحوا يتقاعدون مبكراً من النساء والرجال قبل الخمسين، وبمجرد وصول الخدمة إلى عشرين عاماً وما فوق بحثاً عن الراحة، أو هروباً من وظيفة غير محببة أو عدم قدرة على التواؤم مع أشخاص غير مرغوبين، هذا الهروب المبكر يعكس رغبة للبحث عن عمل في مكان آخر، أو الاسترخاء لعدم الحاجة للعمل. في أمريكا منذ حوالي عشرة أعوام منح الرئيس بيل كلينتون آرثر ونستون لقب موظف القرن لأنه ظل يعمل 70 عاماً بلا تأخير ولم يتخلف عن عمله إلا يوماً واحداً لوفاة زوجته وهو بلغ العام الماضي 98 عاماً ولايزال يعمل كمنظف للحافلات في شركة نقل جماعي، حيث لم يتأخر عن الدوام حتى بسبب المرض، وقد قال هذا الرجل الذي يعد أعجوبة ومضرباً للمثل في طول العمل والعمل (إذا تركت العمل ربما رأيتموني متجمداً من المرض، وإذا مرضت فلربما مت) من أجل ذلك اطلقت شركة النقل بمدينة لوس انجلوس اسم ونستون على ساحة الحافلات التي يشرف عليها حيث أصبح مسماها (قسم حافلات آرثر ونستون) رغم أن كل الساحات تعرف بالأرقام.