انتهجت الهيئة المصرية العامة للكتاب خطاً جديداً بهدف تطوير سياسة النشر العام بها خلال الفترة المقبلة ليتحمل مسؤولية استشراف المستقبل، ومواكبة الفكر العالمي، حيث عمدت الهيئة إلى استطلاع آراء الكتاب والمبدعين والمثقفين المصريين حول كيفية تحقيق التطوير المنشود في مجال النشر، من أجل بلوغ آمال وطموحات تتجاوز ما تم بلوغه خلال السنوات الماضية. وقد وجه الدكتور ناصر الأنصاري رئيس هيئة الكتاب بياناً إلى المثقفين والكتّاب يستطلع فيه آراءهم، ويحثهم فيه على إبداء وجهات نظرهم بشأن تطوير النشر. ومن بين ما قاله د.الأنصاري في بيانه: يختلج في صدري وفكري منذ أن توليت مسؤولية الهيئة المصرية العامة للكتاب في مارس 2005 العديد من الرؤى والآمال والطموحات، تمس مستقبل صناعة الكتاب، وهو الأمر الذي حدا بي إلى السعي إليكم مستطلعاً رؤاكم حول العديد من السياسات التي أرجو أن تترجم إلى مشروعات قومية، تحقيقاً لطموحات وآفاق طالما راودتنا وحلمنا بها، ومن ثم فإنني لا أجد سبيلاً إلى ذلك سوى الاستنارة بمشورتكم وصولاً إلى مرفأ جديد من الرؤى المشتركة. لقد مرت صناعة الكتاب في مصر على مدى قرابة قرنين من الزمان بالعديد من المراحل التي عكست بدورها قصة التطور العلمي والاجتماعي والثقافي للمجتمع، كما عكست الاتجاهات الفكرية المختلفة لكل مرحلة. ولقد جاء إنشاء الهيئة المصرية العامة للكتاب في عام 1971 كحلقة مهمة ورئيسية في سياق قيام الدولة بتبني مشروعات النشر، حيث سبق ذلك حلقات تمثلت في كيانات ثقافية، مثل: الدار القومية، ودار الكاتب العربي، والمؤسسة العامة للتأليف والترجمة والطباعة والنشر، وكذلك مشروعات متعددة في مجالات الترجمة. وقد تعاقب على رئاسة هذه المؤسسات وهيئة الكتاب شخصيات عظيمة، لها بصماتها الواضحة على الحركة الفكرية في المجتمع من خلال إدارة حركة الطباعة والنشر والتوزيع وتحقيق الأهداف المرجوة منها، ومن هؤلاء: الدكتورة سهير القلماوي، والدكتور محمود الشنيطي، ومحمود أمين العالم، وسعد الدين وهبة، وصلاح عبد الصبور، والدكتور عز الدين إسماعيل، ثم الدكتور سمير سرحان الذي قام برئاسة هيئة الكتاب على مدى العقدين السابقين. وقد تحددت المهمة العامة لهيئة الكتاب في الحفاظ على ريادة الكتاب المصري، شكلاً وموضوعاً وانتشاراً، مع ترجمة ونشر الإنتاج الفكري العالمي، وتحقيق ونشر النفائس من المخطوطات، وإعادة نشر كتب التراث، والوصول بالمجلات الثقافية لتصبح في متناول الجميع، وتشجيع وتنمية القراءة، وغير ذلك من أساليب التناول المعلوماتي الهادفة إلى الارتقاء الثقافي للمجتمع. وأشار د.الأنصاري في بيانه للمثقفين المصريين إلى إن صناعة الكتاب التي هي فعل التنوير قضية معقدة يشترك في إدارتها عدد كبير من ذوي العقول والمهارات والكفاءات الممتازة التي تتطور خلالها فكرة الكتاب من مجرد مخطوط إلى كتاب مطبوع يصل إلى يد القارئ فيرضى غايته. وقال د.الأنصاري: هنا ستبقى مسؤولية العالم والأديب والفنان والمبدع للإسهام في إثراء الفكر الإنساني من خلال عطاء معرفي ومعلوماتي يزود القارئ والمتلقي بما يمكنه من فهم العالم حوله، والمشاركة بإيجابية وفاعلية في مجريات الأحداث على المستويين المحلي والعالمي. لقد شهد القرن العشرون ثورة كونية متعددة الأبعاد والأصداء، امتدت بآثارها على الفكر الإنساني في جميع أنحاء العالم، واقترنت بتطورات علمية وتكنولوجية، وثورة معرفية أصبحت متسارعة الخطى في ظل ثورتي الاتصالات والمعلومات، حملت معها المزيد من التفاعل الثقافي بين الحضارات والثقافات، وأصبحت «العولمة» واقعاً تفرضه حركة إيقاع اتجاهات الفكر العالمي، ومن هنا أصبح لزاماً علينا أن نحدد موقعنا بوضوح في ظل هذه المرحلة التي يشهد فيها العالم صيغاً جديدة ومعايير مختلفة ستكون لها آثارها السريعة على عالم الغد، ومن ثم فلابد أن يكون للنشر مسؤولية استشراف المستقبل، ومواكبة الفكر العالمي، من خلال رؤية إيجابية مستنيرة قادرة على الفهم والعطاء والإسهام بفاعلية، مع مراعاة المتطلبات الفكرية والحضارية لمختلف المستويات الثقافية. ومازال الكتاب يحتفظ بتفوقه كوسيلة لنقل المعرفة والقيم، ومازال يمثل أهم الملامح الحضارية للأمة، فهو الذي يحمل ثمرات عقول أبنائها وإبداعاتهم في مختلف مناحي الحياة، ومن ثم فقد حظي باهتمام الدولة، وتمثل ذلك في مشروعي «القراءة للجميع» و«مكتبة الأسرة» اللذين تبنتهما السيدة الفاضلة سوزان مبارك حرم رئيس الجمهورية وصولاً بالمعرفة إلى كافة فئات المجتمع. واستطرد د.الأنصاري قائلاً: أتصور أن استراتيجية النشر في هيئة الكتاب في المرحلة المقبلة يجب أن تستمد روافدها من شخصية مصر العبقرية، وتمثل الأبعاد العربية والأفريقية والآسيوية والبحرمتوسطية جغرافياً، والفرعونية والمسيحية والإسلامية تاريخياً. إن تلك الملامح العبقرية خليقة بأن تترجم إلى مشروعات تتبلور فيها كل هذه الأبعاد من خلال قنوات معرفية، تستمد روافدها من تلك المصادر، وسيبقى الكتاب رسولاً للثقافة والحضارة عبر الأزمان، وعيناً للفنون والعلوم، تتمدد على أوراقه ثمرات الفكر الإنساني المبدع. ولذا فإنه يسعدني تلقي اقتراحاتكم بما ترونه مناسباً للإضافة للنشر العام من خلال: مشروع قومي كبير أو أكثر تتولاه الهيئة بإمكاناتها خلال الفترة المقبلة، ومناخ ثقافي واعد ومواكب للاتجاهات العالمية من خلال ثقافة جيدة، وحركة ترجمة نشطة إلى اللغة العربية لمواكبة الفكر العالمي وتنويع روافد المعرفة، والاهتمام بنشر الإبداعات المصرية، والتركيز على إبداعات الشباب ومنحهم كل الفرص الممكنة، وأن تكون هناك عملية ترجمة مستمرة لإنتاجنا الفكري إلى لغات العالم حتى يصل صوتنا مباشرة إلى الآخر، والوصول لصياغة دور المجلة الثقافية التي تصدر عن هيئة الكتاب حاملة رسالة مصر الثقافية إلى الوطن العربي، وأن تستكمل دور مجلتي «الرسالة» و«الثقافة»، وأن يكون معرض القاهرة الدولي للكتاب مستكملاً المسيرة ومتواكباً مع المعارض الدولية الأخرى مع التطور الكبير الذي شهدته على مستوى العالم، وأن تكون هيئة الكتاب بيتاً للمثقفين المصريين والعرب من خلال نشاط ثقافي وفكري بالهيئة يمتد على مدار السنة كلها، وإيجاد استراتيجية توزيع عالمية للوصول بالكتاب المصري إلى المكانة التي تليق به داخل مصر وخارجها، والدخول بفاعلية إلى حركة النشر الإلكتروني إضافة واستيعاباً وإنتاجاً واستهلاكاً، وتنمية العادات القرائية، وتشجيع أساليب تناول المعلومات بما يثري الحركة الفكرية والثقافية والإبداعية في المجتمع من خلال مسابقات جادة ذات جوائز. وأكد د.الأنصاري أن المناخ الديموقراطي الذي يشهده المجتمع المصري يمثل فرصة حقيقية لكل صاحب فكر ورؤية لكي يسهم إسهاماً حقيقياً بما لديه. وكان الدكتور ناصر الأنصاري قد تسلم رسمياً مهام عمله الجديد كرئيس للهيئة المصرية العامة للكتاب في مارس الماضي، وذلك بعد عدة شهور ظل خلالها الدكتور وحيد عبد المجيد قائماً بمهام رئيس الهيئة في أعقاب انقضاء فترة رئاسة الدكتور سمير سرحان في ديسمبر 2004.