برووش مدينة جميلة في بلجيكا لم أسمع عنها قبل زيارتها بنفسي قبل 12 سنة تقريبا.. ولأنني مصاب بهاجس التحضير المبكر والسابق لأي رحلة عمدت لشراء عدد كبير من الكتب السياحية ومراسلة المكاتب الرسمية في الدول التي عزمت زيارتها في عام 2000 (خصوصا في وقت لم تكن فيه الانترنت قد استوى عودها).. وبالإضافة للكتب والمراسلات الشخصية اشتركت في منتدى - أمريكي - يتبادل فيه السياح خبراتهم حول السفر الى أوروبا. ومن خلال المناقشات (والتجارب المطروحة) عرفت مسبقا ما يستحق الزيارة وما يعد مضيعة للوقت؛ وحينها نصحني اكثر من شخص بعدم زيارة بروكسيل (عاصمة بلجيكا) والاستعاضة عنها بمدينة جميلة ورائعة تدعى برووش ((Bruges.. ولأنني لم أكن قد سمعت بهذه المدينة من قبل راسلت مكتبها السياحي فأرسلوا لي مجموعة من الكتيبات المفيدة.. وحين وصلت إليها بالفعل أدركت أنها مدينة مميزة بالفعل - ليس على مستوى بلجيكا فحسب بل على كامل أوروبا - فبرووش لم تتغير منذ آلاف السنين وماتزال شوارعها ومبانيها تحافظ على طابع وعبق القرون الوسطى. كما تضم بين جنباتها شبكة كبيرة من القنوات المائية حتى سميت بحق فينيسيا الشمال (إشارة الى مدينة فينيسيا الايطالية).. ومع هذا لم استطع مقاومة المرور ببروكسيل (وهو ما ندمت عليه لاحقا) كونه يصعب التباهي بزيارة أي دولة ما لم تشاهد عاصمتها أولا!! .. ونفس الظاهرة لاحظتها بعد أيام في اسبانيا حيث يتكدس السياح في عاصمة الملل «مدريد» ويتجاهلون اشبيليا وغرناطة في الجنوب.. أو حتى بدرجة أقل برشلونة وجزر البيار في الشرق!! .. أيضا حدث أن وصلت إلى جنيف في أول يوم من مهرجانها السنوي الكبير. وهناك شاهدت أعدادا هائلة من السياح العرب (ناهيك عن أطفالهم الذين ملؤوا شواطئ البحيرة ببقايا الطراطيع والآيسكريم وكأنك على شاطئ أبحر في جدة).. ورغم ان جنيف ليست «العاصمة» الا انها ثاني اكبر المدن السويسرية وتهبط فيها معظم الخطوط العربية (مما يفسر الأعداد الكبيرة للعرب فيها). والطريف هنا انه على بعد مسافة قصيرة بالقطار توجد بلدة تدعى انترلاخن (ضمن منطقة تدعى بيرنر اوبرلاند) لم أر فيها عربيا واحدا رغم انها واحدة من أجمل بقاع الأرض (ويكفي القول انها تضم ثلاثة من أعلى عشرة شلالات في العالم)! ما أود قوله ان تفويت فرصة مشاهدة بلدات مثل برووش وانترلاخن وغرناطة (أثناء وجودك في أي دولة تختارها) خطأ سياحي كبير سببه «عدم المذاكرة» الجيدة قبل السفر.. فمعظمنا لا يعرف غير «العاصمة» كونها الأكثر شهرة وتداولا على الألسن. غير أن الإصرار على زيارة العواصم يعني ارتفاع الأسعار وكثرة الازدحام وضيق الأخلاق. وفي المقابل تتمتع المدن الصغيرة والمناطق المجهولة بجمال بكر، وأسعار معقولة، ومعاملة شعبية لطيفة.. .. وأنا اعترف بصعوبة تجاهل عواصم ثقافية عريقة وجميلة مثل باريس ولندن وروما.. ولكن حتى عواصم كهذه انصح برؤية المهم فيها ثم استكشاف البلدات الصغيرة والمناطق المجهولة خارجها.. الفكرة بكل بساطة: اخرج بسرعة من العاصمة إلى حيث يذهب أهلها للاستجمام!