في طفولتي كنت أقرأ مغامرات فضائية مصورة تدعى "سفينة النجوم" ينتقل فيها الرواد للكواكب القريبة بطريقة لاسلكية .. فكل ما يتطلبه الأمر هو دخولهم في كبسولة زجاجية تحول أجسادهم الى جسيمات ذرية تسافر لاسلكيا - قبل أن يعاد ترسيبها في مكان الوصول بعد لحظة واحدة فقط .. وأذكر أنني كتبت عن هذه الفكرة (التي تدعى تليبورت) وتصورت امتلاكنا لكبسولة أرضية مماثلة ما أن تدخل فيها حتى تجد نفسك في نيويورك لتناول الغداء، أو في باريس لتناول القهوة، ثم الى الهند للقيام برحلة سفاري، قبل أن تتناول العشاء فوق برج الألعاب الآسيوية في مدينة جوانزو الصينية ... وحينها فقط لن تخشى سؤال زوجتك عن سر سفراتك الدائمة حيث يمكنك دائما العودة للبيت ب"طقة زر" !!! ... ولأنها فكرة خرافية .. ولأن التليبورت في نظري يعني الموت وإعادة البعث ؛ تنازلت في سن المراهقة عن هذا الحلم وبدأت أحلم بطريقة أكثر واقعية وأسلوب أقدر على التحقق.. حلمت بقدرتي على السفر لجميع الدول دون الحاجة لإنفاق قرش واحد (وهذا مانجحت فيه جزئياً حيث زرت حتى الآن 36 دولة مختلفة)! ليس هذا فحسب ؛ بل وبدأت أصدق بإمكانية فعل ذلك دون خسارة قرش واحد (وآخذ فوقها راتبا مجزيا).. فمهنة كهذه ليست من قبيل الأمنية أو الخيال كون هناك برامج تلفزيونية كثيرة تضم فريق عمل يزور في كل حلقة دولة من الدول (على حساب المحطة ورعاة البرنامج).. ومن هذه البرامج "الكوكب الوحيد" الذي يعد نسخة تلفزيونية مصورة للأدلة السياحية المعروفة بنفس الاسم (Lonely planet) .. وفي كل مرة أشاهد فيها هذا البرنامج أشعر بحقد دفين على المنتجين والمصورين والمقدمين وكل من شارك في إخراج البرنامج.. أيضا سبق وشاهدت برنامجا وثائقيا بعنوان "حول العالم في ثمانين يوما" يسير فيه مقدم البرنامج على خطى بطل الرواية " فلياس ثوج " الذي راهن أصدقاءه على الدوران حول العالم في 80 يوما (وبسبب سحر العنوان وتأثري بهذه الرواية أعد حاليا لإخراج كتاب يحمل عنوان: حول العالم في 80 مقالاً).. أيضا تابعت برنامجا مشابها يسير فيه طاقم التصوير على خطى الرحالة الإيطالي المشهور "ماركو بوللو" والمعالم التي زارها في آسيا والصين - الأمر الذي جعلني أفكر بعرض فكرة مشابهة على إحدى المحطات الخاصة لتتبع خطى ابن بطوطة في الهند والصين.. أو ربما ابن فضلان في السويد والنرويج!! .. وبدون شك فكرة الدوران (حول العالم) حلم يراود الكثيرين ولكنه قليلا ما يتحول الى وسيلة عيش أو نمط حياة .. ولأنني لست بدعاً من القوم - ولأنني لا أتوقع إحسان أحد - بدأت بالتحضير فعلا لرحلة ألف فيها العالم في نوفمبر القادم (مبتدئاً من الشرق بتايوان وكوريا واليابان ... ومنتهيا من الغرب بهاواي والبرازيل والمغرب...). أما أول تجربة أتذكرها - مع رحالة من هذا النوع - فشاهدتها قبل ربع قرن حين وصل الى المدينةالمنورة اثنان من الخيالة الفرنسيين لفا العالم على ظهر الخيل (أو هكذا قيل لي).. واليوم يحفل كتاب غينيس للأرقام القياسية بأشخاص لفوا العالم بوسائل وطرق مختلفة - بعضها يصعب تصديقه - فهناك مثلا شاب إيطالي يدعى مارينيز جوليانو انتهى مؤخرا من زيارة جميع دول العالم .. وبعد أن ختم رحلته بدولة سورينام سافر الى لندن برفقة "رزمة" جوازات مملوءة بتأشيرات الدول التي زارها لتقديمها كإثبات لمؤسسة غينيس للأرقام القياسية .. الجميل في شخصية جوليانو أنه عمل في معظم الدول التي زارها لتوفير ثمن التذكرة للرحلة القادمة .. فقد عمل مثلا ضمن فريق الأممالمتحدة في الصومال وشرق تيمور، وساعد في توزيع الصحف في بكين وطوكيو، وعمل مرشدا سياحيا في كينيا وفيتنام - كما ألف كتابين أثناء بقائه لأطول فترة في كوبا ... - وهذه بدون شك سياحة لا نعرفها ..