صدر للباحث والكاتب الأستاذ تركي بن ناصر السديري كتاب جديد بعنوان (الإسلام والرياضة: لمحات من تاريخ الألعاب والمناشط الرياضية في المجتمع العربي المسلم في زمن رسول الله - صلى الله عليه وسلم والصحابة) رضوان الله عليهم، حيث جاء الإصدار في أربع وتسعين ومئتي صفحة من القطع المتوسط، صادر عن دار طوى للنشر والتوزيع، في طبعته الأولى 2012م. وقد جاء هذا الكتاب سعيا حثيثا وجهدا علميا تتبع فيه المؤلف جوانب تكشف للقارئ تاريخ الرياضة والمناشط البدنية في المجتمع العربي المسلم بوجه عام، وفي زمن الرسول - صلى الله عليه وسلم - وفي زمن صحابته - رضي الله عنهم - بوجه خاص، إذ كان المنشط الرياضي في نواميس الحياة والمعاش، مثله مثل أي مكون من مكونات المجتمع الإنساني، الدينية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية وافتتاحية المختلفة.. حيث تعد الرياضة مكونا ثقافيا، ونتاجا مجتمعيا، يأتي بمقدار تطور وحضارة أي مجتمع من المجتمعات.. كما تأتي الرياضة نتيجة حتمية لمقدار ارتباط أفراد المجتمع بالرياضة ممارسة ومشاهدة، منافسة وترويج، إلى جانب مدى وعيه بقيمتها للعقل والنفس والصحة والبدن. من هذا المنطلق جاءت فكرة الكاتب لدى مؤلفه الذي تتبع الجوانب الرياضية خلال عصر صدر الإسلام، إذ كانت الرياضة في حياة العرب شائعة لما فرضته بيئتهم المعاشة والظروف الحياتية التي ربطتهم بفنون من الرياضة.. فكانت الرياضة جزءا من ضروريات الحياة في الحرب والسلم، وفي العمل والترويج، ومن ذلك ارتقت قيمة الرياضة ممثلة بألعاب الفروسية ووجوب الحذق بها إلى درجة كبرى، جعلت من الرياضة عند العرب قيمة ومعنى.. الأمر الذي جعل الكاتب في جهد متقد لاستقصاء ازدياد القيمة والمعنى للمناشط الرياضية التي عرفها المسلمون الأوائل على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، حيث ازدادت هذه القيمة وتعمقت معانيها وزاد ارتقاؤها في ظل المجتمع النبوي بالمدينةالمنورة، لتعطي الرياضة زخما كبيرا، حث على ممارستها والعناية بها، بل وتعلم اكتسابها، لتنتقل رياضة المجتمع الإنساني من قيمة ومعنى متوارثة منذ الخليقة الأولى، إلى قيمة ومعنى جديدة، وأكثر تطورا وحضارية يجعل من الرياضة فضاء ساميا ونبيلا مملوءا بالنفع وإشاعة مبادئ وقيم إنسانية تشحن النفس والعقل والسلوك، وتهذب من طبائع الإنسان، وتجعلها سلوكا ممارساً يفيض بالتسامح وروح الجماعة والإخاء وقبول الآخر، والسمو عن طبائع الإنسان الهمجية والأنانية والعنصرية البليدة. منهجية علمية.. واستقصاء يستقرئ القيم ومعانيها في مرجعيتنا الإسلامية.. تأصيلاً للمفاهيم المعاصرة يقول المؤلف في عرض تمهيدي لكتابه: لأننا مجتمع عربي ومسلم، مرتبط بجذر تاريخي ممتد إلى زمن المجتمع العربي المسلم في زمن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصحابته - رضوان الله عليهم - حيث المدينةالمنورة النبوية، نأخذه كمرجع أول وقدوة مقدسة، نستعين بها لصياغة حاضرنا فيما يتعلق بما له علاقة بالموقف المتكئ على الرأي الديني والثقافي والمعرفي، في تحديد الموقف من الحياة وتكوينات حراكها، ومن بين ذلك الرياضة، التي أحاول في هذا الكتاب تسليط الضوء على ماهية الرياضة في تلك الحقبة المهمة، حيث السلف الصالح، وكيف هي علاقة ذلكم المجتمع النبوي مع الرياضة، ألعابا ومناشط، وما مدى ثراء ذلك المجتمع أو فقره بالممارسة والمنافسة؟ هكذا وعبر هذا المفهوم يأتي كتاب السديري في رصد بحثي لتاريخ الألعاب البدنية والمناشط الرياضية في عصر صدر الإسلام، بمنهجية علمية تقوم على شمولية الرؤية، والدقة العلمية فيما تتبعه المؤلف، إلى جانب المرجعية العلمية التي استند عليها الكاتب فيما طرقه من مباحث في ثنايا كتابه.. الأمر الذي شكل وضوح المنهجية العلمية التي حفل بها الكتاب، عطفا على كونه قراءة لمرحلة تاريخية تعد من أبرز مراحل تاريخنا الإسلامي، من خلال قراءة جانب مختلف لم يحظ من قبل الباحثين بوجه عام، ودارسي فنون الرياضات العربية المختلفة عند العرب باهتمام على غرار ما يقدمه السديري في هذا الكتاب، الذي استهله بمبحث عن: ماهية الرياضة عند مجتمعات الحضارة العربية والمسلمة، متتبعا ظهور كلمة (الرياضة) في هذا السياق عبر ورودها المعجمي في تراثنا العربي.. لينتقل إلى موضوع ثان بعنوان (المدينة النبوية: تأسيس الرياضة الجديدة) والذي يدرج تحته عدة عناوين فرعية جاء منها: رعاية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ودعمه المسابقات الرياضة ماديا ومعنويا؛ أول لجنة تحكيم رياضي؛ تأسيس مبدأ المنافسة العادلة؛ تأسيس ثقافة الرياضة؛ الروح الرياضية.. بادرة الرياضة؛ الروح الرياضية.. مبدأ الرياضة السامي؛ المنافسة النظيفة؛ تأسيس حقوق الإنسان الرياضية؛ الرياضة للشباب.. الرياضة للجميع. وينتقل السديري عبر كتابه إلى موضوع بعنوان: النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - وألعاب الأطفال، ومنه إلى موضوع بعنوان "رياضة المشي وأنواعها" مستعرضا العديد من أنواع الرياضة التي تتبعها من خلال سيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم - كما يعرض المؤلف في هذا السياق العديد من الألعاب الرياضية وأشهر مناسباتها، التي أورد الكاتب منها: رياضة الفروسية، سباق الخيل والإبل، أول سباق للخيل في المدينة النبوية، السباق المثير الذي جثى فيه الرسول - صلى الله عليه وسلم - على ركبتيه، السباحة، رسول سابحا، المصارعة.. حيث يتتبع المؤلف - كعادته - في كل موضوع عدة مباحث متسلسلة يستقصي من خلالها ما يتناوله من موضوعات، حيث نجده - مثلا - في حديثه عن رياضة المصارعة، ينطلق من عرض تمهيد عن هذه الرياضة عند العرب، ليتبعه بموضوع عن أنواع المصارعة، ثم أساطير المصارعة، ومنه إلى موضوع عن المصارعة.. وسيلة اختبار واختيار، وآخر عن: المصارعون من الصحابة - رضي الله عنهم - وصولا إلى آخر وقفة مع هذا النوع من الرياضة والذي جعله المؤلف عن ملابس المصارعة. تركي بن ناصر السديري وفي سياق الحديث عن الجهد العلمي الذي بذله السديري يقول: سأعترف مبدئيا أنني بذلت الجهد قدر ما يستطيع معيني المعرفي المتواضع في البحث، والتأمل، والاستنتاج في ما توافر لي من معلومة وجدتها في متون كتب التراث والسيرة والتاريخ، ومؤلفات مفكري الحضارة العربية المسلمة، الذين عنوا أو تطرقوا إلى الجانب الرياضي عند العرب وفي المجتمعات الإسلامية. هكذا يمضي المؤلف في استقصاء أنواع الرياضات خلال تلك الفترة الزمنية من تاريخنا الإسلامي، مستقرئا ومؤصلا جذور الرياضات التي شهدها الرسول - صلى الله عليه وسلم - والتي مارسها الصحابة - رضوان الله عليهم - لنجده - على سبيل المثال لا الحصر - عندما يستعرض رياضة حمل الأثقال، يتخذ من الصحابي جابر بن عبدالله - رضي الله عنه - بأنه كان ممن لا ينافس في المدينةالمنورة في حمل الأثقال، أما عن المبارزة والمرامحة، فيتناولها السديري من منظور استخدام العرب للسيوف والحراب في الحروب والأفراح و( المثاقفة) بوصفها تمثل جذور لعبة ( الشيش) المعاصرة، وفي السياق نفسه يمضي الكاتب في استقراء رياضة الجمباز وغيرها من الرياضات التي قام بدراستها دراسة استقرائية تاريخية من منظور الإسلام والرياضة. كما يتضمن الكتاب موضوعا عن اهتمام المجتمع العربي المسلم بتعليم الأجيال ممارسة الرياضة منذ الصغر من خلال موضوع عن " التدريب الرياضي" ومنه إلى آداب الرياضة وأخلاقياتها عند العرب المسلمين، ومنه إلى استقراء عن مصطلحات العرب الرياضية، والذي يرى الكاتب بأن العرب اهتموا بالمصطلح الرياضي، لأنهم كانوا أول من استخدم كلمة "الرياضة" في التاريخ متتبعا ما ورد عن العرب من مسمى القوس الذي رصد المؤلف له عند العرب 50 مسمى، وللسهم 70 مسمى ولك حركة أدائية اسمها ووصفها. ينتقل السديري بعد ذلك إلى صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والرياضة، وذلك من خلال رصد لما مارسه الصحابة - رضي الله عنهم - من الرياضات، والتي يقف من خلالها على عدد من الصحابة المشهورين بممارسة بعض الرياضات والذين أورد منهم الكاتب: علي بن أبي طالب، وعمر بن الخطاب، أبي أسيد الساعدي، وسلمة بن الأكوع، وخالد بن الوليد، وجعفر بن أبي طالب، سعد بن أبي وقاص، وعبيدالله بن العباس بن عبدالمطلب، وعبيدالله بن عمر بن الخطاب، وسمرة بن جندب ورافع بن خديج - رضي الله عنهم - وغيرهم من الصحابة الذين وقف معهم المؤلف واصفا ممارساتهم لأنواع من الرياضات التي كانت شائعة في حياتهم. يمضي الكاتب بعد عرض عن الرياضة في حياة الصحابة رجالا وما مارسته منها الصحابيات، إلى موضوع عن التشجيع والانحياز الرياضي عند العرب الأوائل، ومنه إلى آخر بعنوان: ألعاب ومناشط رياضية عرفتها المجتمعات العربية والمسلمة، والذي يأتي محطة الختام التي يصل معها القارئ إلى منتهى التطواف عن الإسلام والرياضة من خلال ما رصده السديري من لمحات من تاريخ الألعاب والمناشط الرياضية والبدنية في المجتمع العربي المسلم في زمن الرسول - صلى الله عليه وسلم - وصحابته -رضي الله عنهم-، مما يضع القراء على الكثير مما يدهش ويكشف مدى حضور ألعاب ومناشط رياضية وبدنية تميزت بالشيوع والكثرة، إلى جانب ممارستها الحياتية في مجتمع عصر صدر الإسلام.