أكثر ما يصيب الناس بالإحباط والانكسار هو تنصيب الخصم حكما وهذا هو ديدن المسؤول الضعيف. صاحب الحق أو المظلوم يتكبد المشاق وينتظر المواعيد الطويلة ويكتب تفاصيل شكواه بمداد ربما خالطته الدموع ويمضي جل وقته في تدريب نفسه على ما سوف يقول وكيف يتحدث حتى يصل إلى مرحلة يراه فيها الناس وقد بدا يخاطب نفسه يؤشر بيديه ويقطب حاجبيه ثم يبتسم، كل ذلك وهو يقود سيارته أو يجلس وحيدا. وعندما يحين اللقاء يسلم ورقته ويقول ربع ما خطط لقوله وقبل أن يكمل «حديثه المرتعش» تكون الورقة قد أحيلت إلى الذي كان هو الخصم!! ليصبح الحكم. ما يقال عن الشكوى ينطبق على المقترحات والأفكار ومحاولة الرقي بالمؤسسة وتطويرها فبعض المسؤولين يرى أن الموظف تابع لرئيسه حتى في أسلوب التفكير فلا يسمح له بالتفكير إلا من خلاله، ولا الاتصال بالمسؤول إلا عن طريقه، ولا الشكوى عليه إلا له!! هذا الخلط بين ما يجب أن يمر عبر التسلسل الإداري وما يفترض أن يتخطاه يقع فيه المسؤول الضعيف الذي لا يملك الجرأة وقوة الشخصية التي تؤهله لمساءلة كبار موظفيه ومواجهتهم بما يفترض أن يكون الحكم فيه لغيرهم كالشكوى أوحتى اقتراح قدمه موظف مبدع لكنه صغير يمكن أن يكبر بسرعة ويحتل مكان رئيسه. تفشي الإحباط لدى موظف ظلمه رئيسه، أو مواطن رفض الرئيس إعطاءه حقه أو حتى مقابلته أمر خطير وسبب من أسباب الحيرة التي تولد ألعدائية خاصة أنها مواضيع لا تحتمل عناء رفعها لديوان المظالم وفي الوقت ذاته فإن حدوثها متكرر وكثير فعندما يكون المسؤول في قمة الهرم ضعيفا إلى درجة عدم مواجهة التنفيذيين ممن أوكل إليهم مصالح الناس فإنه يحاول إقناع نفسه والآخرين بأنه إنما يمارس نهجا إدارياً في منح الصلاحيات والثقة وعدم التدخل وهو نهج مثالي يحتاج إلى حسن اختيار ومتابعة وحضور للمدير واطمئنان على أن من منحهم الثقة لا يظلمون الناس وإنهم إذا ظلموا سوف يكتشفون نتيجة نظام رقابي صارم وإذا اكتشفوا سوف يعاقبون، وهذه العناصر نادرة بمثل ندرة المثاليه، لذا فإن ترك المسؤول للمراجعين وصغار الموظفين لقمة سائغة لكبارهم يهدد الوطن والمجتمع بكلا الخطرين الإحباط لدى المظلوم وأمن العقوبة لدى الظالم. أؤكد لكم أنه على مستوى الحالات التي لا ترقى إلى حد رفع شكوى لديوان المظالم لأنها سوف تستغرق جهدا وعناء ووقتاً طويلاً وربما تصل لمرحلة اليأس، فإن كثيراً من المراجعين وصغار الموظفين يهيمون بحثا عن مسؤول منصف ويفاجأون بأن شكواهم تعود إلى الخصم «إلى من كان هو الداء».