هناك عدد من كتّاب الرواية في العالم العربي الذي كتبوا ما يطلق عليها بالرواية التراثية، وهي الرواية التي تستلهم أحداثها وشخوصها من الموروث الشعبي الزاخر بكثير من الحكايات الشعبية عبر أحداث وشخوص حقيقية وليست من الأساطير، ومن هؤلاء الروائيين على سبيل المثال رضوى عاشور ويوسف زيدان. أتى الروائي والقاص والناقد العراقي المعروف عبدالرحمن مجيد الربيعي (1939م - ...) في كتابه (أصوات وخطوات، مقالات في القصة العربية) الذي نشرت طبعته الأولى عام 1984م تحت عنوان: مصرع الماس وتوظيف التراث الشعبي روائياً، ليكتب عن الزميل الكاتب في الشقيقة مجلة (اليمامة) والروائي السوري ياسين رفاعية (1934م - ...) الذي صنّفت روايته (رأس بيروت) من ضمن أفضل رواية عربية في القرن العشرين، إذ يذكر الربيعي إبحار رفاعية في شتى الصنوف الأدبية التي توزعت بين القصة والرواية والشعر والكتابة للأطفال، ويتوقّف عنده طويلاً كروائي فرض حضوره منذ أول رواية له (الممر) التي استلهم أحداثها من الحرب اللبنانية بعد أن عاش ظروفها وملابساتها الأولى ثم عاش أحداثها من الحرب اللبنانية بعد أن عاش ظروفها وملابساتها الأولى ثم عاش أحداثها المريرة والنتائج التي ترتبت عليها فيما بعد، إذ استطاع في هذه الرواية أن يوظف ذلك الدفق الشاعري الذي تميزت به قصصه القصيرة ضمن عمل روائي له وقعه وأهميته رغم قصره (تسعون صفحة). عبدالرحمن الربيعي ويأتي الربيعي ليكتب عن رواية (مصرع الماس) التي نشرها ياسين رفاعية في البدء كقصة قصيرة، ولكنها كانت تحمل بذور رواية، لذلك أعاد كتابتها من جديد معطياً للأحداث مداها لتستكمل نموها المبتور وللشخصيات ممارساتها الحياتية الأكبر لتتم نسج هذه الملحمة الجميلة (مصرع الماس). وقد كانت (مصرع الماس) قصيرة مثل روايته الأولى (الممر)، فيستدرك الربيعي أن ياسين رفاعية يختزل ويكثف دوماً حتى قصصه القصيرة إذ نجدها قصيرة، متدفقة وذات تناغم شعري عذب، وأنه يستمر في عملية التكثيف هذه حتى وهو يكتب (الرواية) رغم أن مساحتها تسمح له بأن يسود ما شاء من الصفحات، ولكنه اختار أن يقول أشياء كثيرة ضمن صفحات قليلة (124 صفحة) بحروف كبيرة بارزة. (مصرع الماس) كما يدل اسمها تتحدث عن مقتل رجل اسمه الماس، وهو شخصية لبطل شعبي، عاش في إحدى حارات دمشق القديمة أيام الاحتلال الفرنسي، يشرب العرق ويقاتل الأعداء من أبناء الحارات الأخرى، ثم يقاتل الفرنسيين فيما بعد. ويحاول هذا الرجل أن يوظف قوته وسطوته لفرض العدل على المحلّة فهو لا يتوانى عن الاهتمام بكل صغيرة وكبيرة، فنراه يعتني بمعيشة صديقه (ابو الود) وزوجته (حسنية) لأن (ابو الود) هذا قد قتل ضابطاً فرنسياً وأقعده حادث عن الإتيان بعمل، وقد كرّم فيه (الماس) ذلك البطل حيث أصر على حمل الطعام والشراب إلى بيته لئلا يمد يده محتاجاً وفرض على الآخرين أن يهتموا به، ولكن المفاجأة تأتي عندما يقتل (الماس) (حسنية) زوجة (ابو الود) ثم يقتل صديقه (ابو عجاج) وتظهر خيوط هذه الحادثة أكثر عندما نعرف أنه قتلهما للعلاقة الخاصة التي بدأت تربط بينهما. وتختلط أحداث القتل هذه في الرواية إذ نجد أن (ابو عبدو) وهو شخصية أخرى في المحلة يدخل السجن لقتله أحد الباعة اليهود لأنه كان ينقل أخبار الثوار إلى السلطة الفرنسية، بعد ذلك يأتي دور ابنه (عبدو) ليقتل أخته (امتثال) لأنها أهانت شرف العائلة والمحلة بسبب إقامتها لعلاقة مع ضابط فرنسي، في الوقت الذي كانت فيه امتثال تتوسط لدى هذا الضابط من أجل إطلاق سراح والدها المحكوم عليه بالسجن المؤبد. شخوص وأحداث (مصرع الماس) هي شخصيات عديدة وأحداث متلاحقة كثيرة ضمتها هذه الرواية بصفحاتها المعدودات، إن الروائي ياسين رفاعية استطاع أن يركبها ببراعة رغم أن القارئ يحس أحياناً بأن الرواية قد انشطرت بين (الماس) و(ابو عبدو) وأصبحت روايتين في رواية واحدة أي انعدم فيها الحدث المركزي. يذكر الناقد عبدالرحمن الربيعي في كتابه المشار إليه، أنه من الواضح جداً أن حكاية (الماس) في رواية ياسين رفاعية (مصرع الماس) وصحبة هؤلاء هي حكاية متداولة في حارات دمشق القديمة تتناقلها الألسن من جيل إلى جيل، مستدركاً أن رفاعية أعطاها أبعادها وأضاء أحداثها عندما ركبها هذا التركيب الواعي لتكون عملاً روائياً متميزاً، وأن هذا الأمر يشير إلى الإمكانية والغنى الذين يحملهما الموروث الشعبي العربي عموماً والذي يصلح لأن يكون مادة للعشرات من الروايات والمسرحيات، مشدداً على أنه توجه صحي وأصيل، وأن المهم هو أن نعرف كيف نستنطقه ونحمله بهمومنا وتطلعاتنا الجديدة!