الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد: فدلائل حفظ الله لكتابه، ما فتئت تتوالى ما تعاقب الملوان، ظاهرةً تحقق قول الله: ((إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ))[الحجر: 9]. فالقرآن الكريم محفوظ بحمد الله بين الأمة، لا يتطرق إليه تحريف ولا نقص ولا زيادة، وسيبقى كذلك إلى يوم الدين. وقد نذر رجال من خيرة المؤمنين في كل جيل، أنفسهم لخدمة كتابه والاعتناء به: حفظاً وتلاوة في تدبر وخشوع، وتجويداً له بمختلف القراءات التي صحت واشتهرت في الأمصار، وتحصيلاًَ للعلوم التي تتصل بنقل القرآن وروايته، وبذلاً للغالي والنفيس في خدمة أهله وطلابه. ودروب حيازة الشرف بخدمة كتاب الله، مفتوحة، ممهدة تهتف بالسالكين لها بنيات صادقة، وقلوب مفعمة برجاء المثوبة، وطلب المزيد من خيري الدنيا والآخرة. فطوبى لعبد منَّ الله عليه فجعل له جزءاً مقسوماً ونصيباً معلوماً من العناية بكتاب الله العزيز، إما بالتعبد بتلاوته آناء الليل وأطراف النهار، وإما بالحفظ له واستيداعه في سويداء الصدر، مع تعلم ما اشتملت عليه آياته من الأحكام والآداب والعبر، وإما بتعليمه للناشئة، وإما بالعمل على نشره في الأمة، كطباعة المصحف الشريف وتوزيعه، وإما بتشجيع أبناء المسلمين على حفظه وتجويده، لينشأ منهم جيل صالح متمسك بدينه، مستقيم على منهاج الشريعة المطهرة في سماحتها ووسطيتها، لا غلو ولا جفاء، لا إفراط ولا تفريط. وإن المسابقات والجوائز التي يدعمها ولاة الأمر في مملكتنا المعطاءة الحبيبة، في خدمة العلم والدعوة، من السنن الحميدة والأعمال المبرورة، ومنها المسابقات القرآنية؛ فإنها من الوسائل التي تحفز الشباب إلى حفظ كتاب الله، في هذا العصر الذي كثرت فيه الملهيات والصوارف. والحفظ خطوة نحو الفهم، والفهم خطوة نحو العمل. وتأتي هذه المسابقة، مسابقة صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبد العزيز آل سعود، لحفظ القرآن الكريم، إسهاماً من سموه حفظه الله، ضمن عمل متضافر متكامل يتم في المملكة، برعاية كريمة من ولاة الأمر فيها، في الاعتناء بكتاب الله الكريم داخل المملكة وخارجها. إن القرآن أعظم الكتب التي أنزلها الله على رسله، وأتمها تفصيلاً ودلالة على الهداية والرحمة: ((وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ))[النحل:89]. وهو أحق ما يعتز به المسلمون من ثقافتهم وحضارتهم، وأولى ما ينبغي أن يقيموا عليه منهاج حياتهم. حقاً إن هذا مما يعتز به ويفخر كل مخلص في المملكة المنعمة بالخير والرخاء، في ظل راية التوحيد، والعمل بالكتاب والسنة، والذب عن الإسلام، والاهتمام بقضايا الأمة. أسأل الله تبارك اسمه، أن يحفظ على هذه البلاد عزها وكرامتها في أمن ووئام، ويثبتها على الحق المبين، ويجزل المثوبة لقادتها وأهل الخير فيها، على ما يبذلون وينفقون، وأن يخص بفضله وكرمه صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبد العزيز آل سعود، وزير الدفاع ، صاحب هذه المسابقة وراعيها والمنفق عليها، وأن يعينه على كل عمل نافع للإسلام والمسلمين. وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. *الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي عضو هيئة كبار العلماء