لكأنما قردة الشِمْبانزِي لا يكفيها عنتاً وعناءً أن تظل رهينة الحبس في مراكز البحث طيلة حياتها؛ فإذا بها تتعرض في تلك المراكز للإصابة عمداً بأمراض فتاكة ومميتة فيما يصفه ناشطون بأنه «تعذيب». لقد صدر مؤخراً تقرير حديث يلقي الضوء على المحنة الفاجعة والواقع الأليم لتلك القرود. وقد جاء ذلك التقرير من داخل المختبرات ناقلاً مرئيات العلماء والباحثين العلميين ذوي العلاقة؛ وهو التقرير الذي أذاعته محطة «إن بي سي» على الهواء مباشرةً. يقول الباحثون الذين يتعاملون مع الشمبانزي بمعهد بحوث الطب الحيوي في ولاية تكساس بمدينة سان أنطونيو إن معاناة تلك القرود تسهم في أن يفهم بنو البشر كيفية مكافحة الأمراض الفتاكة مثل الالتهاب الكبدي الوبائي ومتلازمة نقص المناعة المكتسب (ايدز). وقد أصر الباحثون على أن هذه الحيوانات لا يساء معاملتها بأي حال وإنما تظل محجوزة في الهواء الطلق داخل ملاذ بأوضاع مشابهة للأوضاع السائدة في المحميات الطبيعية أو في حديقة الحيوان. بيد أن الناشطة جين جودال تحدثت إلى محطة «إن بي سي» قائلة إنه أمر فظيع وبشع بطبيعة الحال أن يرى الشمبانزي محبوساً في مكان ضيق دونما أدنى خيارات أمامه. وأضافت قائلةً إن كل البحوث تعتبر بمثابة تعذيب. لفتت هذه الناشطة الانتباه بشكل خاص إلى حقيقة أن قرود الشمبانزي تظل محتجزة ترسف في إسار برنامج البحوث بمعهد تكساس حتى موتها بدلا عن إخلاء سبيلها بإطلاق سراحها إلى محميات طبيعية للحيوانات بمجرد أن تبلغ سن الشيخوخة. وهذا إن دل على شيء إنما يدل على أن قرود شمبانزي مثل روزي وكين وكلاهما يبلغ من العمر 30 عاماً قد خضعا بالفعل لأكثر من 100 إجراء طبي وسوف لن يبرحا المختبر قيد أنملة ما بقيا على قيد الحياة حيث يتوقع أن يستمرا في الحياة لمدة 30 سنة أخرى. إلا أن مدير المعهد جون فانديبرج احتج بأنهم يوفرون لهذه الحيوانات حياة جيدة كتلك التي تحصل عليها في الملاذات الآمنة والمحميات الطبيعية – زاعماً أنه حتى وإن لم تعد تلك القرود خاضعة للبحوث اليومية، فإن الإجراءات التي خضعت لها بالفعل يمكن أن تكون حاسمة بالغة الأهمية في الاكتشافات والإنجازات الطبية المستقبلية. وأعرب عن اعتقاده بأنه يفكر في الشمبانزي بذات طريقة تفكيره في المكتبة إذ يوجد بالمكتبة العديد من الكتب التي لن تستخدم هذا العام ولا العام الذي يليه؛ بل إن العديد منها قد لن يستخدم قط. ومع هذا، استطرد المدير قائلا، ‘فإننا لا نعلم أياً منها سيكون مطلوباً بشدة غداً أو في العام المقبل أو العام بعد المقبل'. لقد كان البحث الذي أجري على الشمبانزي محورياً في تطوير لقاح ضد الالتهاب الكبدي (ب) ويأمل العلماء في استخدامه في مكافحة فيروس (ج). ولما كان العديد من الحيوانات الموجودة في معهد تكساس مصابة بالتهاب الكبد الوبائي وغيره من الأمراض الأخرى كان لابد من منع فريق التصوير التابع لمحطة «إن بي سي» من الاقتراب من الأقفاص التي توجد بها تلك القرود، حيث اكتفى أفراد الفريق بالتقاط الصور عن بعد. تعيش قرود الشمبانزي في الخارج داخل سياجات – الأمر الذي حدا بأحد الباحثين العلميين المتعاملين معها أن يقول إن هذا من شأنه دحض «وجهة النظر غير الصائبة التي مفادها أن تلك الحيوانات محجوزة داخل أقفاص صغيرة في غرفة مظلمة لا توجد بها نوافذ». لقد تلقت تلك القرود تدريبا خاصاً لتذعن للباحثين وتمتثل لهم وذلك بأن يمسك كل منها بيده بنفسه عند حقنه بالإبر. أما الغالبية العظمى من الحيوانات المستخدمة في التجارب والبحوث العلمية فهي تتمثل في الفئران وما شابهها؛ ولكن قرود الشمبانزي هي التي تحظى بقدر كبير من الاهتمام من قبل العامة لذات السبب المتمثل في أنها مفيدة للغاية في خدمة الأغراض العلمية لما يجمعها من شبه بالإنسان من حيث الصفات الوراثية. أما الناشطون من أمثال الدكتورة جودال، والتي تعد اشهر اختصاصية ثدييات في العالم، فإنهم يقولون إن هذا الشبه يعني أنه يتعين علينا أن نتوخى أقصى درجات الحرص والحذر عندما نستخدم تلك الحيوانات للأغراض الطبية.