لا يكل رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي من إقحام الحديث عن ديمقراطية حكمه في كل مناسبة تتاح له، بغض النظر عن طبيعتها. شخصيا، أجد ذلك غريبا فالمالكي يدرك تماما بافتضاح ان مصدر شرعيته الوحيد هو إيران، لذا فهو يحاول إنكار هذه الحقيقة باستمرار. بيد ان محاولات المالكي،مهما كثرت، لا يمكن أن تغطي حقيقة ان إيران هي من فرض المالكي رئيسا للوزراء رغما عن الناخبين العراقيين ورغما عن رغبة الكتل السياسية العراقية. فالمالكي، عمليا، بلا حلفاء، لكن أحدا لا يملك القدرة على إسقاطه لأن ذلك، ببساطة، يمثل تحدياً للخط الأحمر الإيراني. حرص المالكي على إنكار هذه الحقيقة مستمر رغم ان إيران، نفسها، ما عادت تبالي بانكشافها. إذ ليس هناك أوضح من حديث قائد فيلق القدسالإيراني العميد قاسم سليماني بان العراق وجنوب لبنان يخضعان لإرادة طهران وأفكارها، مؤكدا ان بلاده يمكن أن تنظم أي حركة تهدف إلى تشكيل حكومات إسلامية في البلدين. وحتى دون التصريح الإيراني، فالمالكي أثبت دائما انه تلميذ مخلص ومجتهد في تنفيذ التعليمات الإيرانية. فهو لا يكتفي باتباع التعليمات بل هو أيضا يقتفي أسلوب الحكم الإيراني في التعامل مع معارضيه داخليا. فالمالكي، كنجاد تماما، لا يتردد عن قمع معارضيه سياسيا في الداخل وفي الوقت نفسه يصور للبسطاء بان العالم كله يتآمر عليهم، فالعراق" يتعرض لمعركة غير منظورة بيننا وبين أعداء العراق" كما صرح هذا الأسبوع. لكن المالكي الذي يقمع معارضيه بسلاح الاتهام بالبعثية وينصب لهم المشانق ويصادر حقوقهم الوطنية والسياسية أصبح لا يرى بأساً بالبعثيين في سوريا. فالمالكي لا يملك دفعاً لأوامر ولي نعمته الإيراني سواء في العراق أو في سوريا أو في البحرين. وللمفارقة فان المالكي الذي وصل للعراق ممتطياً الدبابة الأمريكية الغازية دون قرار أممي أصبح يتبرع بتقديم المحاضرات عن ضرورة عدم التدخل الدولي لنجدة السوريين حتى عبر قرار أممي. ولمزيد من المفارقة فان المالكي نفسه الذي اتهم سوريا، قبل عامين فقط، بدعم الإرهاب بل وناشد مجلس الأمن الدولي التدخل لتشكيل محاكمة جنائية ضد نظام الحكم السوري أصبح الآن لا يرى في ذلك النظام إلا دعامة استقرار إن اهتزت فالمنطقة ستغرق في الفوضى. ربما كانت مقولة إن التاريخ يكتبه المنتصرون صحيحة فيما مضى. لكن هذه المقولة ما عادت صحتها مطلقة في هذه الأيام. فالمالكي لن يستطيع أبدا، رغم سيل الأكاذيب والتلفيقات، أن يجمل طائفية تاريخه وتبعيته العمياء لإيران. العرب، وقبلهم العراقيون، المبتلون بالمالكي لن يغفروا له انحيازه لآلة القتل السورية ووقوفه في صف الجلاد.