أخيراً، تمكن أحد المشاركين في الحرب العالمية الثانية من استلام رسالة أرسلتها إليه زوجة أبيه قبل سبعين عاماً! وكانت الرسالة قد أرسلت إلى مكتب البريد الميداني بمصر في عام 1941م، ذلك أن ديفيد هوتون الذي يبلغ عمره حالياً 94 عاماً كان حينها قابعاً خلف القضبان كاسير حرب. عندما أعيدت الرسالة آنذاك إلى ديزي زوجة أبيه وهي تحمل عبارة "في عداد المفقودين"، ما كان منها إلا أن وضعت الرسالة داخل صندوق كما هي حتى من غير أن تفتح المظروف الذي توجد الرسالة بداخله، إلى أن جاءت أخيراً اللحظة التي تمكن فيها الجندي هوتون من قراءة الكلمات التي خطها يراع زوجة أبيه وذلك عندما اكتشف أخوه الرسالة وسلمه إياها في الوقت المناسب تماماً لاحتفائه بالذكرى السنوية الخامسة والتسعين لميلاده. وكان العريف هوتون يعمل في كريت في عام 1941م عندما أصيب في أرض المعركة وتم أسره من قبل الجيش الألماني الغازي. وقد أمضى هوتون أربع سنوات في المعسكرات بكل من بولندا وتشيكوسلوفاكيا حيث أرسلت إليه زوجة أبيه رسالة معنونةً إلى مكتب البريد الميداني في مصر على أمل أن يصلها منه رد لخطابها ولم تكن تعلم أنه وقع في الأسر. العريف هوتون في جزيرة كريت 1941 بيد أن العائلة أصيبت بالذعر عندما أعيد إليها الخطاب حاملاً عبارة "في عداد المفقودين" وقد نما إلى علمهم أنه أصبح رهين الأسر كسجين حرب. وقد أمضى هوتون، وهو من دندي، أربع سنوات من عمره على الخبز والماء في المعسكرات خادماً في الكتيبة الثانية التي تحمل مسمى "ذي بلاك ووتش" إلى أن تم تحريره في نهاية المطاف على يد الروس في عام 1945م. ولم يكن يدري بأي شيء عن الرسالة غير المسلمة لأن ديزي احتفظت بها في صندوق ظلت موجودة بداخله منذ ذلك الحين. وقدم دن شقيق هوتون إلى منزل هوتون وسلمه الرسالة التي عثر عليها بينما كان يقوم بترتيب أغراضه؛ ليصف هوتون الأمر بأنه مفاجأة كبرى، حيث تحدث قائلاً: "جاء دن وقال إن لديه رسالة تخصّني وكانت الرسالة لا تزال موجودة داخل المظروف المغلق ويوجد عليها طابع بريدي فئة خمس بنسات وتحمل توقيع النقيب جيم إيوان في الجيش الذي كنت أعمل به. ومن خط اليد أدركت أن الرسالة من ديزي التي دأبت وقتها على مراسلتي لتظل على إطلاع بمجريات الأمور". أردف هوتون يقول: "فتحت الرسالة وكان من المدهش أن أقرأ عن أخبار العائلة قبل سبعين سنة وقد استمتعت حقاً بقراءتها. لقد ظننت في بادئ الأمر أن قراءتها قد تأخذ من وقتي لو لا أنني أيقنت أنها هدية مناسبة للذكرى السنوية لميلادي." لقد كانت قصة هوتون مع الحرب قصة رجل اعتصره الألم وقاسى مكابداً جوى المعاناة إلا أنه قال إنه حظي بمعاملة طيبة من القوات الألمانية. واستطرد فقال: "ذهبت إلى فلسطين في عام 1937م وعندما اندلعت الحرب أرسلت إلى بيت لحم. وقد قمنا بحراسة قناة السويس حيث كنا نقوم بمرافقة السفن ونحارب الإيطاليين في أرض الصومال. وكانت المعارك ضد الإيطاليين شرسة حيث كان القتال وجهاً لوجه ولم تكن هنالك أي دبابات أو مدفعية ثقيلة وإنما فقط بنادق فقد كانت كالجحيم في الأرض. بعد ذلك ذهبنا إلى مصر قبل أن أذهب إلى كريت وكان الألمان قد غزوا الجزيرة وكانت السماء مسودَّةً بالمظلات والمظليين. وقد أصبت من جراء شظية من متفجرات وعلى إثر ذلك وقعت في الأسر بيد أن الألمان نقلوني إلى المستشفى حيث تلقيت رعاية طبية جيدة وكانت هيئة التمريض رائعة بحق وحقيقة." وعندما تماثل هوتون للشفاء والتأمت جراحه واندملت جروحه تم نقله بالقطار إلى معسكر ستالاج (ب) الجزائي الوعر في بولندا وهناك عمل طباخاً يعيش على بقايا الخبز والماء. وقد تحدث في هذا الصدد بقوله: "كنت في ألم أشعر به بصفة مستمرة لأن شظايا المتفجرات لا زالت موجودة في ذراعي وكانت دائماً تتعرض للعدوى. لقد كان المكان موحشاً مخيفاً إلا أنني افتقدت فيه بعض الأصدقاء". عقب ذلك انتقل هوتون إلى تشيكوسلوفاكيا حيث عمل في منجرة وأخيراً أخلي سبيله وتحرر من الأسر على يد الجنود الروس في عام 1945م ونقل جواً إلى موطنه. بعد أن وضعت الحرب أوزارها، تقاعد هوتون من عمله في الجيش وبدأ العمل في مكتب البريد في دندي حيث أمضى (35) سنة في ذلك الموقع إلى ان تقاعد عن العمل. تزوج هوتون من بانتي رفيقة طفولته وعاشا سوياً لمدة 55 عاماً انجبا خلالها طفلين ولهما من الأحفاد ثلاثة. على الرغم من التجربة المريرة التي مر بها هوتون فقد صرح مفيداً بأنه ينظر إلى ماضيه في الحرب بعين الفخر والاعتزاز مسترجعاً شريط ذكرياته واصفاً الرسالة الضائعة بأنها أدخلت السرور إلى قلبه حتى وإن درج في الوقت الحالي على استقبال الرسائل بالبريد الالكتروني. ومضى هوتون يقول: "لقد كانت حياة طيبة تلك التي عشتها في فترة الحرب؛ فقد كان الوقت مثيراً على الرغم من كل ما صاحب تلك الحقبة من أحداث ووقائع. أما الحصول على الرسالة، فقد كان أمراً رائعاً إلا أنني تعلمت على يدي أحفادي كيف أتعامل مع البريد الالكتروني وقد اشترى لي أبنائي جهاز حاسب آلي بمناسبة احتفالات الميلاد. إن البريد الالكتروني يعد الأسرع والأسهل للتواصل".