تحقيق المنتخب السعودي لكرة اليد إنجاز التأهل لبطولة العالم في إسبانيا لم يكن الأول من نوعه لا على مستوى اللعبة نفسها، ولا على مستوى الرياضة السعودية، إذ يكفي التذكير فقط بأن هذا المنتخب نفسه عبر للمونديال العالمي قبل هذه المرة في خمس مناسبات سابقة؛ لكن أستطيع ان أقول - وأنا الذي شهدت تلك الإنجازات - ان فرحة هذا التأهل وتداعياته وقيمته كانت مغايرة تماماً، إذ ارتسمت الفرحة على كل شفاه سعودية، واخترقت شغاف كل قلب أخضر، فيما استشعر قيمة المنجز الجميع مسؤولون، وإعلاميون، وجماهير.. والسؤال كيف حدث ذلك؟! ثمة أسباب مهمة لتبلور ذلك التعاطي الرائع مع إنجاز التأهل يكاد يعرف بعضها أناس، فيما تغيب عن آخرين، منها أن غياب هذا النوع من الإنجازات الكبرى طال مداه عن الرياضة السعودية، التي لم تتذوق هذا الطعم منذ زمن؛ خصوصاً وأن الاحباطات ظلت تلف رياضتنا، موسما بعد موسم، ومشاركة بعد أخرى، ولعل ذلك ما ضاعف الفرحة وجعل مداها يصل إلى أقصى حدود البلاد، وساهم في دخولها كل بيت. أمر آخر مهم؛ أن الإنجاز صنع هنا على أرض الوطن؛ إذ ساهمت رؤية الاتحاد السعودي لكرة اليد بحتمية استضافة البطولة في إعطاء منتخبنا ورقة مهمة، بانت قيمتها حين اشتد دوران رحى المنافسة، وحمي وطيس الصراع، إذ تظافرت الجهود حيث بدا أن الجميع بات يستشعر بأن المنجز إن تحقق فلن يكون لاتحاد اليد وحده بل هو منجز وطن، وهو ما جعل الإعلام يحتضن المنتخب في مشهد قلّ ما نشاهده على مستوى الألعاب المختلفة، وأسهم في الدعم اللافت للجماهير مع دخول المنتخب في عنق الزجاجة في مبارياته الثلاث الأخيرة الحاسمة. أمر ثالث تجسد في الدور الذي لعبه رئيس الاتحاد عبدالرحمن الحلافي؛ إذ استطاع بحس وطني، ونظرة ثاقبة أن يصنع بنياناً غاية في الإبداع، إن على مستوى الاتحاد نفسه، أو المنتخب بتلاحم أبناء الوطن في جسد واحد قلّ نظيره، بل لا أبالغ إن قلت يكاد ينعدم إلا في هذه المنظومة، حيث حولها إلى خلية عمل لا تهدأ، إذ الكل في سباق محموم. أما المنتخب بإدارييه وفنييه ولاعبيه فحكاية أخرى، حيث كان اللاعبون عنواناً حقيقياً من عناوين الوطنية بكل معانيها، إذ بدوا ككتيبة موكلة بحماية ثغر من ثغور الوطن، وما كان ذلك ليكون لولا أن على رأس هذه الكتيبة قائد آمن بقيمة توحيد الأرواح قبل الأجساد، وتأليف القلوب قبل الأبدان، فكان الواحد منهم يسابق الآخر على التضحية، بل كانوا يتدافعون فيما بينهم للفوز بشرف المبادرة، متناسين الإصابات، ومتجاوزين الإرهاق، وغير عابئين بالضغوط النفسية التي ظلت تتكالب عليهم مباراة بعد أخرى، فيما القائد، وأعني عبدالرحمن الحلافي، ولا شك، يشاركهم في كل ذلك خطوة بخطوة، ونفساً بنفس. كل ذلك وأكثر أعطى هذا المنجز قيمة مغايرة، وجعله درساً من الدروس التي ينبغي أن يتعلمها كل اتحاد، وكل منتخب، إذا ما أردنا - بالفعل - صناعة رياضة حقيقية، إذ في هذا الإنجاز كل معاني العمل المسؤول، وكل دلالات صناعة فريق بطل، ولست مبالغاً حين أقول بأن الاتحاد السعودي لكرة اليد لو منح نصف ما تمنح الاتحادات الأخرى المنافسة له في المشهد القاري، بل الإقليمي من دعم مادي ولوجستي، لكانت فصول حكايته أصعب من أن تروى.