تشير الإحصائيات الرسمية إلى أن 19% فقط من خريجي المدارس هم الذين يلتحقون بالجامعات. ولذلك فإن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو إلى أين تذهب النسبة المتبقية من خريجي الثانوية؟ . وأسجل أنني لست من محبذي التهافت على الجامعات باعتبار أن حاجة القطاعين الحكومي والخاص السنوية لهؤلاء الخريجين محدودة ، لكن ذلك لا يقلل من شأن الاستفسار عن الوجهة التي سوف تستقبل تلك الأعداد الغفيرة من خريجي المدارس كل عام. فلو كان لدينا معاهد متخصصة كافية لكان من الممكن وضع اليد على القلب والاطمئنان إلى أن نسبة كبيرة من ال 81% الذين أنهوا التعليم المدرسي سوف يذهبون لإتمام معارفهم في تخصصات نحن في أشد الحاجة إليها. ولكن الحال ليست كذلك للأسف. من ناحية أخرى فإن القطاع الحكومي رغم كل حرصه والقطاع الخاص حتى تحت ضغط نطاقات غير قادرين على استيعاب تلك الآلاف المؤلفة سنوياً. خصوصاً وأن معدل نمو الاقتصاد ليس بتلك النسبة المرتفعة التي تمتص خريجي المدارس كل عام. بل إنه حتى لو حققنا معدلات نمو مرتفعة على غرار الصين فإن تعليم الثانوية لا يؤهل حاملي الشهادة للعمل إلا في مستويات وظيفية غير متقدمة. وهذه وظائف رواتبها غيرمغرية ولذا فإن أبناء البلد لن يقبلوا عليها. إذاً فنحن أمام خيارات صعبة. فهذه الجموع الغفيرة من الطلبة إما أن يتم تشغيلها في القطاع الحكومي وبغض النظر عن الحاجة لهم وبالتالي ينضمون إلى البطالة المقنعة. أو أنهم لا يجدون طلبا عليهم ويدخلون في قائمة العاطلين عن العمل. إنه لأمر محزن أن تكون المؤسسات التعليمية لدينا ليست بذلك التنوع ولا على ذلك المستوى الذي يجعل من فلذات أكبادنا موارد بشرية فعالة لخدمة الاقتصاد والوطن. إن هذا الوضع غير المناسب في جانب العرض قد خلق تشوهاً واضحاً في سوق العمل. فنحن نلاحظ إحجام قطاع الأعمال عن طلب قوة العمل السعودية غير المؤهلة والمرتفعة الثمن. وهذا في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة، قد وضع القطاع الخاص في مرمى النار- كما لو أن هذا القطاع قد أصبح بقدرة قادرالمسؤول الأول والأخير عن عدم توظيف أبناء البلد. إنه لمن السهل وضع كل الأخطاء على القطاع الخاص وتحويله إلى كبش فداء وذلك على الرغم من أن الواقع يشير إلى غير ذلك. والدليل هو دخول وزارة العمل على الخط بهذه السرعة التي تشبه عجلة إطفائي الحرائق قبل أن ترتفع ألسنة اللهب. فمن الواضح أن الإجراءات التي تتخذها الوزارة قد دبرت لمعالجة الخلل في سوق العمل في المنظور القريب من خلال برنامجيْ نطاقات وحافز. أما على المستوى البعيد فإن معالجة الطلب والعرض في هذه السوق تحتاج إلى تنسيق أكبر بين كافة الجهات المعنية وانتشار أوسع للتعليم الفني والتدريب التقني سواء على المستوى العمودي أو الأفقي. وحتى يكون الإقبال على ذلك النوع من التعليم والتدريب كبيراً فإن الأمر ربما احتاج لإجراء تصنيف للمعاهد والكليات والجامعات على أساس مدى مواءمة مخرجاتها لاحتياجات المؤسسات والشركات الخاصة ليس من ناحية عدد البرامج والدورات فقط وإنما من جهة النوعية أيضاَ. فهذا من شأنه أن يوجه خريجي الثانوية لإكمال دراستهم في تلك الجهات التعليمية التي تمكنهم من الحصول على عمل وأجر مناسب بعد التخرج. وذلك كما هي عليه الحال مع خريجي جامعة الملك فهد للبترول والمعادن والتي تقدمت إليها 110 شركات سعودية بطلبات لتوظيف 2500 من الطلبة الذين يتوقع تخرجهم هذا العام.