يعتمد معظم أفراد المجتمع على رواتبهم فقط كدخل شهري ثابت، دون الاعتماد على مداخيل أخرى، لاسيما أن ومتطلبات الحياة تستدعي توفير أكثر من الراتب الشهري، في وقت يقل فيه أولئك الأشخاص الذين يوفرون أموالاً عن طريق أكثر من وظيفة أو عبر تجارة واستثمار. اليوم أصبح الشخص منا سعيداً عندما يتقاضى راتبه لمدة خمس دقائق فقط، يغدو بعدها في حيرة من أمره بسبب التزاماته المادية الهائلة حين تبدأ نزيف أمواله إلى الإيجارات ومستلزمات المنزل المتنوعة باختلاف الصيف والشتاء، والطعام، وأجور الخادمة والسائق، فضلاً عن الالتزامات الخارجية وفواتير الهاتف والماء والكهرباء والاشتراكات، ناهيك عن مصاريف المطاعم وترفيه الابناء، والهدايا، والمجاملات الاجتماعية، والعزائم، وكذلك تكاليف مستلزمات وكماليات الزوج والزوجة والأبناء. على المحك إن أولئك الأشخاص الذين يعتمدون في مصروفاتهم على راتب العمل فقط ويعيشون من راتب إلى راتب كل شهر يقضون حياتهم على المحك، وتحت تهديد دون أن يشعروا بذلك، فهم يعتقدون أنهم لن يطردوا من وظائفهم يوماً ما، أو انهم لن يتعرضوا لمصاب سيكلفهم ثمن راتبين للعلاج، أو انهم لن يقعوا في مشاكل كبيرة مع مدير العمل، أو يكونوا ضحية سرقة أو خداع، وتلك ليست توقعات تشاؤمية كما يظنها البعض، وإنما هي واقع قد يغير في التنظيم المالي لحياتك، أو قد يغير حياتك كلها، وهي السبب الرئيس وراء معاناة البعض من أزمات مالية متتابعة على الرغم من وجود دخل ثابت لديهم وهو» الراتب الوظيفي». سياسة «اصرف ما في الجيب يجيك ما في الغيب» ورطت الكثيرين! دهشة وتعجب ومع الأسف أن هناك الكثير من الناس لا يعرفون أين يصرفون أموالهم، ويجهلون أين تذهب، بل إن البعض يعيش في حيرة واستغراب من نفاذ راتبه أول الشهر، حيث ان هناك من لا يستطيع السيطرة على صرف راتبه متخذاً شعاره من المثل الدارج «اصرف ما في الجيب.. يجيك ما في الغيب»، ويضطرون إلى الاستدانة أواخر الشهر بعد أن أنفقوا كل ما في الجيب، فتكثر حينها الديون وتتراكم حتى يعجز عن سدادها، كونه يخفق في كل مرة ينوي فيها إعداد ميزانية تقديرية للراتب، فالفرد إن لم من توفير 30 % من راتبه –على الأقل– فهو معرض لمشاكل مالية خطيرة إن لم يضع ميزانية شهريه «تقديرية» لمصروفاته وفق راتبه وذلك بتحديد الضروريات ثم الأولويات مع كبح جماح المصاريف الكمالية وفي بداية كل شهر يتم تدوين المصاريف الفعلية ومن ثم وضع مقارنه بينها وبين الميزانية التقديرية السابقة، إلى جانب مناقشة أفراد الأسرة عن أي زيادة تطرأ على المصروفات حيث يجب أن يكون هناك معدل متوقع في التوفير لا يقل عن 30% نهاية كل شهر. ميزانية تقديرية ويعتقد البعض أن أهمية التخطيط المالي ووضع الميزانية التقديرية للراتب تنحصر في مجال الأعمال والمؤسسات والشركات فقط، ولكن واقع الحياة يخبرنا عكس ذلك، ففكرة وضع ميزانية محددة للراتب تسمح في التحكم والسيطرة على مصاريف الأسرة، من شأنها ضمان الاستقرار المادي الذي يوفر لهم إحدى أهم ركائز الحياة، وهو الاستقرار المعيشي والذي قد لا يحدث بسبب التغير في الظروف الاقتصادية، وعلى قدر إدارتك لمالك والتحكم في أوجه صرفه، فإنك تستطيع معرفة مصير حسابك الشخصي، والابتعاد عن المفاجآت الاقتصادية التي يمر بها كثير من الناس، إثر تغير ظروفهم وسبل معيشتهم، مما قد أوقع الكثير منهم في شراك «الدَيْن» الذي يرجع سببه الرئيسي دائماً إلى سوء إدارة المال. استهلاك شخصي أكد باحثون اقتصاديون على أن ديون السعوديين الشخصية بلغت «184» مليار ريال سعودي تقريباً، 90% منها ذهبت كقروض استهلاكية، و10% منها ذهبت كقروض استثمارية مثل شراء أصول عقارية لها ريع جارٍ أو أرباح رأسمالية عند بيعها، في ارتكب آخرون خطأً فادحاً باستثمار مدخراتهم الشخصية المخصصة للاستهلاك الضروري كالزواج أو الاستثمار لشراء منزل في سوق الأسهم والتي تعد من أعلى أنماط الاستثمار مخاطرة. الأرقام مخيفة هذه الأرقام مخيفة وصادمة وتكشف مدى تهاون الأفراد في تعاملاتهم الاقتصادية وفوضى التخطيط المالي، كما قد يكون ذلك بسبب عدم فهم الفرد للتعامل مع المال، حين يفكرون العيش عيشة كريمة، فإنهم في الأصل يفكرون أن يعيشون حياة «غنية»، ودخول منافسة السباق الاجتماعي، والوصول إلى أعلى طبقات المجتمع، من خلال المظهر البرّاق الموحي بالثراء، حتى لو كلف الأمر عليهم بأن يستدينوا للعيش برفاهية بدءاً من المنزل ذي الثلاثة طوابق، إلى السيارة الألمانية الفارهة، والسفر إلى الخارج في كل إجازة وكل هذا «سلف ودين»!. إن الحياة الثرية هي الحياة الحرة الطليقة المليئة بالفرص والنجاح والسعادة، والتي لا ينغصها إلا «الديْن» وتكرار معاناة الأزمات المالية دون وضع حدٍ لها، ومن هنا يأتي التساؤل.. هل خصصتَ نسبة من راتبك للادخار إن أمكن من أجل الظروف الطارئة أو تحسين الدخل باستثمارها في صناديق استثمار قصيرة أو متوسطة المخاطر؟ أهمية الادخار إن أهمية الادخار تأتي في كونها طريقاً للاستثمار الذي يجنبك بإذن الله مخاطر الاقتصاد وما يترتب عليها، فالفرد منا لا يمكنه التنبؤ بما سيمر عليه من ظروف وسوء أحوال اقتصادية أو مالية، كما سيجنبك الكثير من التساؤلات الكثيرة حول السبب وراء نفاذ الراتب في وقت مبكر جداً، كذلك سيمنحك التخطيط المالي السليم توفير مبالغ فائضة من مصروفاتك الشهرية حينها ستكف عن التساؤل «ليه الراتب يخلص بدري؟»!.