الذهب يتراجع مع صعود عوائد السندات الأميركية    الجاسر: المملكة تشهد نشاطا قويا في مجال اللوجستيات ونمو قطاع الشحن الجوي بنسبة 34%    ولي العهد يصل إلى مملكة البحرين    تعميق المجالات السياسية والدفاعية والاقتصادية تتصدر أعمال القمة الخليجية    أمير تبوك الميزانية العامة حملت في طياتها الخير والنماء للوطن والمواطن    ضميرية عسيرية حول المملكة وباكستان    الطلاق الصامت.. انفصال بلا أوراق يُربك الأسرة    لو لا تنتهي القصائد .. هكذا تُطوى آخر ليالي نوفمبر مع نجم شاعر المليون عبدالرحمن المالكي    أمير منطقة تبوك يطلع على تقرير عن منجزات وأعمال لجنة تراحم بالمنطقة    القمة الخليجية في البحرين تناقش مستقبل التعاون الاقتصادي وربط القطارات    إطلاق مشروع «نتطوع معًا» لتعزيز ثقافة التطوع والابتكار بجازان    أمير الرياض يشهد توقيع اتفاقيات بين "الموارد البشرية" وعدد من الجهات    القراءة التي لا تتحول إلى إنتاج موقف أو نص تبقى ناقصة نعمل على أن تصبح «أقرأ» منصة عربية مرجعية للقراء الشباب    المملكة تقفز بنسبة المناطق البحرية المحمية إلى 61.1 %    في مستهل مشواره بكأس العرب.. الأخضر يعبر عمان بثنائية البريكان والشهري    الهلال يطلب إعفاء بونو من كأس أفريقيا.. ونونيز يريد الرحيل    اندثار المواهب والحلول لإعادة اكتشافها وصقلها    توطين تقنيات التصنيع الذكي    خطوة روسية – أمريكية نحو حل سلمي للأزمة الأوكرانية    ألقى بابنته من الشرفة لرفضها فسخ خطبتها    «الجوازات»: الهوية الرقمية لا تستخدم في عبور منفذ سلوى    أكد أن مزاعم «الدعم السريع» وهدنته مناورة سياسة.. الجيش السوداني يصد هجوماً على «بابنوسة»    الحوثي يعدم المدنيين بتهم «مزيفة»    مجرد (شو) !!    قبل عرضها على سبيستون    أضخم منصة عالمية للاحتفاء بالحرف اليدوية.. «الثقافية» تمثل السعودية بمعرض أرتيجانو آن فييرا    القيادة تعزي رئيس سريلانكا في ضحايا إعصار ديتواه الذي ضرب بلاده    جودة النظام الصحي تسبق مهارة الطبيب    شبه القراءة بالأكل    في جزيرة شورى وزيرا الرياضة والإعلام والإعلاميون.. أمرهم شورى!    ألونسو: أهمية مبابي أكبر من أهدافه    ضبط 21134 مخالفًا للإقامة والعمل وأمن الحدود    نور الرياض    منازل نجران.. تراث أصيل    رصد البقعة الشمسية العملاقة رقم 4294 من سماء الحدود الشمالية    الجيش الألماني يعلن تعرّض شحنة ذخيرة للسرقة    توجيه تهمة القتل للمشتبه بإطلاقه النار على فردين من الحرس الوطني بواشنطن    3 ملايين مخطوطة تتصدر حديث ثلوثية الحميد    البطاطا تقود ارتفاع المنتجات الزراعية خلال أكتوبر    42% نمو بالإنتاج الزراعي بالباحة    الأسهم السعودية تغلق على تراجع طفيف    الأخضر يستهل مشواره بالتغلب على عُمان بثنائية في كأس العرب 2025    عنف إسرائيلي متصاعد وسط تمدد البؤر الاستيطانية    انطلاق فعاليات القمة الخامسة لرعاية العيون بمشاركة نخبة من الكادر الطبي    السفراء الجدد يؤدون القسم أمام ولي العهد    حين أوقدت منارتي نهض الصمت فنهضت به    فضيلة المستشار الشرعي بجازان يلقي كلمة توجيهية لمنسوبي القوة البحرية بجازان    رجل الدولة والعلم والخلق الدكتور محمد العقلاء    "الشؤون الإسلامية" تنفذ أكثر من 47 ألف جولة رقابية في المدينة المنورة    القيادة تهنئ رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة بذكرى اليوم الوطني لبلاده    طالب جامعة شقراء بتعزيز جهودها في التحول.. «الشورى» يوافق على تعديل مشروع نظام حقوق المؤلف    الديوان الملكي: وفاة صاحب السمو الأمير عبدالله بن فهد بن عبدالله بن عبدالعزيز بن مساعد بن جلوي آل سعود    «التخصصي» ينقذ طرف مريض بالجراحة «ثلاثية الأبعاد»    البكتيريا المقاومة للعلاج (2)    الكتابة توثق عقد الزواج عند عجز الولي عن النطق    محافظ الطائف يلتقي رئيس مجلس إدارة جمعية أسر التوحد    القيادة تعزي الرئيس الإندونيسي في ضحايا الفيضانات والانزلاقات الأرضية ببلاده    الداخلية: تخريج 99 ضابطاً من دورات متقدمة وتأسيسية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اللغة والهوية.
نشر في الرياض يوم 08 - 12 - 2011

ترسم المجتمعات التقليديّة صورة رغبويّة لماضيها، بما في ذلك لغتها، وهي صورة تتعرّض لتنقية دائمة في وعيها ولا وعيها، فتُتخذ كأصل لا ينبغي الانفصال عنه، فكل انفصال هو نوع من التدهور والانحطاط؛ لأنَّ تلك المجتمعات أنشأت بتلك الصورة اللغوية منظومة رمزيّة محكمة من القيم والآداب، تستجيب لتخيّلاتها وليس لواقعها، وتشكّل إطارا لهويتها الثقافية، والانقطاع عنها هو ابتعاد عن الأصل، وتخريب لركائز الهوية. ويشمل ذلك على حدٍّ سواء كلاًّ من أوصياء الثقافة الرسميّة والعامّة، ولكن بأسلوبين لغويين مختلفين؛ فالفئة الأولى تتعلّق بمعايير لغوية نمّطية تتوافر فيها شروط خاصة بقدرات النخبة وبراعتها التعبيريّة التي بها تتميز عن العامّة، ومثال ذلك في النثر العربيّ القديم، مقامات الحريريّ التي انتزعت شرعيّة كونها المعيار الأمثل للغة والأسلوب الرفيع، وكلّ خروج يعدّ في نظر تلك النخبة انحطاطًا متراجعًا عن ذلك النموذج الأعلى، واقترابًا محتّمًا إلى الهاوية، ولهذا يجري تضخيم مدرسيّ له عبر إحيائه بهدف مقاومة التحوّل التاريخي الذي تسير فيه الأساليب اللغوية، مما يفترض به أن ينتج هوية ثقافية تدّعي الصفاء والنقاء.
أمّا بالنسبة للعامّة، فتكاد القضيّة تكون أكثر تعقيدًا، لأنها تُطوّر، بمرور الزمن، أساليب لغوية مناقضة لأساليب النخبة وميولها الثقافية، وترى في تلك النخبة جماعة تتحرّك في مجال مصطنع ومحكوم بمصالح قائمة على التواطؤ، وتبادل المنافع، ولهذا تنتهك العامةُ القواعدَ اللغوية والأسلوبية لأدب النخبة، عبر السخرية والمبالغة والمحاكاة والتشخيص والفكاهة والروح الشعبيّ والضحك والمفارقة والتهريج والهجاء والمبالغات الإباحيّة المكشوفة، فضلا عن تخريب الفصاحة الرسمية في لغة تلك النخبة، ولكنّ العامة تطوّر عبر مخيالها منظومة قيم، تحتفي بالبطولة والغرائبيّة والمغامرة وبلغة معبّرة عنها مما ينتهي إلى رسم ملامح هوية ثقافية منزاحة عن الأصل وفيها لبس يخدش هوية النخبة، وتنجح غالبًا في التعبير عن ذلك، من خلال شطر القيم إلى ثنائيّات متضادّة، مثالها الخير والشر، فتتعلّق بنموذج قيمي، وتستدعي شخصيّات متخيّلة أو شبه متخيّلة لتمثيل ذلك.
وفي الوقت الذي يتبلور اهتمام النخبة حول الصيغ الأسلوبيّة يتجه اهتمام العامّة إلى الصيغ الموضوعيّة، ولكن في الحالتين نجد عناية فيما لا نجده عند الطرف الآخر، فالعامّة تبني تخيّلاتها وتحافظ عليها، عبر استدعاء الماضي واستعارته، فنموذجها متّصل بذاكرة جمعيّة، فيما النخبة تعنى بنموذج مرتبط بذائقة ما، وفي ضوء هذا ينبثق أسلوبان لغويان في التعبير يصبحان أساسا لهويتين ثقافيتين فيهما درجة واضحة من التنازع، فيكون مضمون هوية النخبة مغلقا يقوم على المحاكاة والتكرارية، فيما يكون مضمون هوية العامة منفتحا يقوم على الابتكار المرن. ويتأدّى عن ذلك اختلاف في الرؤية إلى الذات وإلى العالم، فرؤية النخبة- ومن ثمّ هويتها- متمركزة حول ذاتها، فيما رؤية العامة- وهويتها- متفاعلة تقترض مواردها من مناهل عدّة، فلا تعرف الانكفاء على الذات، ولا تقرّ بالانعزال.
وحيثما يذكر موضوع الهوية الثقافية تقع الإشارة إلى أن الآداب القوميّة تتهدّدها مخاوف لها صلة بالذائقة والذاكرة، فذائقة النخبة حُبست في نموذج متعالٍ يُحتذى بالتكرار، وأمر الحفاظ عليه يلازم النخبة ملازمة فيها من الهوس به بمقدار ما فيها من الخوف عليه، أمّا ذاكرة العامّة، فمستباحة تتعرّض للانكسار والتغيير والانحراف بفعل آليّات التفكير الشفويّ والتمثيلات الخاصّة به، فهي تتقبّل التغييرات الأسلوبيّة لأنَّ نموذجها التعبيريّ متحوّل لا يعرف الثبات، ولهذا فالمرويّات السرديّة والشعرية المعبّرة عن تلك الذاكرة تتعرّض لتغيير متواصل في بنياتها وأساليبها، فتختلف روايتها باختلاف الأمكنة والأزمنة، بل إنَّ النسق الشفويّ ومقتضيات التلقّي الحرّ تتدخّل في تكييف كلّ مادّة جديدة لتوافق التصوّرات الكبرى للعامّة حول نفسها وذاكرتها، ولهذا تتضخّم متون المرويّات وتتبدّل، وتتعرّض للتحريف بحسب السياق الذي تروى فيه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.