منذ أيام قليلة استطاع فريق إنقاذ ضحايا زلزال شرق تركيا استخراج الطفلة "إزرا" ذات الأربعة عشر يوماً حيّةً من تحت الأنقاض وذلك بعد يومين من انهيار المبنى على ساكنيه، على الرغم من الانخفاض الشديد في درجات الحرارة، وبالرغم من عدم تناولها لأي نوع من الرضاعة خلال تلك المدة. طبيبة تركية تحمل "إزرا" من بين الأنقاض مندفعة بها في اتجاه عربة الإسعاف؛ مما ساهم في بقاء هذه الطفلة حديثة الولادة على قيد الحياة ورؤية الملايين لها من خلال التلفاز ووسائل الإعلام أثناء انتشالها حية من الركام، أجدها فرصة لبيان عظمة وعناية الله تعالى ورحمته بالمواليد، فالطفل يجد نفسه بعد ولادته وقد انفصل عن أمه، وانقطع سيل الغذاء الجاهز إليه عبر الحبل السُّري، فيلجأ للاعتماد على ما استطاع جسمه تخزينه من الطعام أثناء حمله في رحم أمه وهذا ليس بالكثير لحين إفراز اللبن من ثدي والدته، ويستغرق إفراز اللبن وقتاً متفاوتاً (من 1 - 3 أيام)، وبما أن نشاط أجهزة الجسم عند المولود تكون في قمتها في محاولة لملاءمة الوضع الجديد فإن الأعضاء تحتاج للطاقة من المخزون في جسمه، لكنه يُستهلك بسرعة، وتنخفض تبعاً لذلك نسبة السكر في الدم، وإذا انخفض السكر في الدم يتعرض المخ للتلف ويعقب ذلك الوفاة. وهنا تتدخل عناية المولى الرحيم بحديثي الولادة احتياطا لمثل هذه الظروف حيث أودع الله في مناطق معينة من أجسامهم نوعا من الدهون اسمه "الدهن البُنِّي"، ولونه البني ناشئ عن كثرة الأوعية الدموية فيه، ولم تتم معرفة فائدته إلا منذ أربعين عاما، فما هي فائدة الدهن البني في حديثي الولادة؟ ترتبط مخازن الدهن البني من خلال الألياف العصبية بمركز تنظيم الحرارة في مخ الإنسان، والذي إذا استشعر انخفاضا في درجة حرارة الجو الخارجي يبعث برسائل إلى خلايا الدهن البني لتدبّ فيها حركة نشطة تحرق فيها الدهن ويؤدي ذلك إلى انبعاث كميات كبيرة من الحرارة تنطلق من الدهون البنية إلى جميع أعضاء الجسم من خلال الدورة الدموية لكي تحافظ على درجة حرارة الجسم حول معدلها وهي الحرارة التي تحتاجها أجهزة الجسم المختلفة لتستمر في تأدية وظائفها وإلا فإنها تفشل وتتوقف وتموت. وهنا يتبادر السؤال: ألا يكفي الدهن العادي بديلا عن الدهن البني؟ اقتضت حكمة الله تعالى أن تكون الطاقة الحرارية المتولدة عن كل جرام من الدهن البني ضعف الطاقة الناتجة من جرام الدهن العادي، وبهذا يكون حجم المخزون من الدهن البني نصف حجم الدهن العادي حتى لا يكون الحجم سببا في ضخامة المولود أو يتسبب حجمه في عسر ولادته. وصدق الله العظيم: "وفي أنفسكم أفلا تبصرون؟" * وكيل كلية الطب للشؤون السريرية – جامعة الملك خالد