تهللت أسارير وجه المدير وهو يرى الملف الصحفي الذي يعكس جهود إدارة العلاقات العامة في مناسبة الأمس . فشكر مدير الإدارة على الحضور الإعلامي المميز. وسبب هذه البهجة أن تلك المناسبة لا ترقى حتى لمستوى الصحيفة الحائطية في مدرسة نائية .ولكن اجتهاد فريق العلاقات العامة لإرضاء غرور المدير وحضور بعض المؤلفة قلوبهم أنجح المناسبة في نظره . وهذا المدير نموذج للكثير من مديري "الترزز السمج" في الصحافة المحلية؛ حيث نتابع أخبار مغادرته وعودته من الإجازة وما على شاكلتها من أخبار. ولذلك أصبحت من الفرضيات التطبيقية وليست العلمية هي كلما زاد حشو هذا الملف بالمعلومات والصور حتى ما تناقلته شبكات الإعلام الجديد- التي تعمل بلا معايير مهنية – زاد رضا المدير . أرجو عدم فهم الموضوع بالخطأ أنني ضد الرصد الإعلامي بالملف الصحفي ,بل على العكس أنا أعتبر أن هذا الملف الصحفي هو وثيقة تاريخية ليوميات المؤسسات الخاصة والعامة وحتى مؤسسات المجتمع المدني.وإنما يضايقني كثيرا أن هذا الملف أصبح يحتوى أكاذيب باسم تصريحات ووعود من مسؤول لا تنفذ وإنما تذهب أدراج الرياح في اليوم الذي يليه.ولذلك سميتُ هذا الملف ب "ملف الخنبقة الإعلامية". فهو ملف من النادر أن نجد من يتابعه سوى المدير وإدارة العلاقات العامة التي ترصده. أما متابعة أو محاسبة المسؤول على تصريحاته أو على اقل تقدير العمل على مطالبته بتنفيذها فأمر نادر .ولذلك عندما يحاول أحدكم البحث عن معنى للكلمة الدارجة "خنبقة" في حديقة العم قوقل مثلا فلن يجد لها تفسيرا أو مصدرا من اللغة العربية . ولكن احدهم اجتهد واختصر الموضوع بتقديم تعريف من رحم اللهجة المحلية بقوله "هي فلسفة المديرين اللي ما لها سنع". وبالتالي هذا الملف الصحفي يحوي كلمات فلسفية "ما لها سنع". وفي ظني عندما تبدأ العبارات تتسابق من بين شفتي المدير مثل "سنعمل"،"سنحقق" ،"ستنطلق خطتنا التطويرية" وكل الكلمات المسبوقة بسين المستقبلية أصبحنا نعرف أن الموضوع قد دخل في غيابات الجب وحفظ في الملف الصحفي ومعه حفظ ماء وجه المدير والمؤسسة. أتمنى من إحدى الجهات الرقابية التأكيد للناس أنها تتابع تلك"الخنبقات الإعلامية" أو على الأقل تخويف البعض من مغبة كثرة "الخنبقة" والوعود الصحفية او التصريحات التي تزيد الكارثة زيتا وحطبا . فلو تابعنا بعض مصائبنا التي وقعت في الأسبوع الماضي مثلا نستطيع أن نتعرف على الكثير من أوجه تلك "الخنبقة" من تسويف وتبرير واعتذار وإرجاء وتحويل وربما إلقاء المسؤولية على الغير. إنها مشكلة تتكرر في مؤسساتنا وهي لا تختلف كثيرا عن منظومة الظاهرة الصوتية العربية التي نعيشها. اعتقد أن الأوان قد حان لأن يكون هناك محاسبة مبنية على ملف "الخنبقة " الإعلامية هذا حتى على الأقل نسلم ولو قليلا من التصريحات التي لا تتجاوز ميكروفونات منبر المدير.وإذا لم نستطع ذلك فعلى الأقل تستطيع الصحافة متابعة تلك التصريحات وتقدم للقراء في نهاية كل عام أين انتهت؟ الصحفي الأمريكي بوب ودورد من صحيفة واشنطن بوست والمعروف بكشف فضيحة ووترغيت الشهيرة يرى ان مثل هذه الأكاذيب والوعود ستستمر ولكن الأمل في الجيل الجديد الذي بات يمتلك أكثر أدوات التمحيص والتدقيق الاليكترونية.بل ويستطيع المتابعة الرقمية من تاريخ التصريح إلى أي الأجلين أسرع فيكشف لنا عن الكثير من التصريحات الميتة . يقول الخليفة الراشد علي بن أبي طالب رضي الله عنه"الكذاب والميت سواء؛لأن فضيلة الحي النطق,فإذا لم يوثق بكلامه فقد بطلت حياته" . ويقول الصحابي الجليل عبدالله بن مسعود :تكلموا بالحق تُعرفوا به ، واعملوا به تكونوا من أهله".