إن العمل الإجرامي الذي وقع في مدينة الرياض يوم الاربعاء الموافق 17/11/1425ه عمل منكر قد علم تحريمه من الإسلام بالضرورة لما فيه من الاعتداء على الأنفس المعصومة والأموال والممتلكات ولما فيه من الخروج على جماعة المسلمين وشق عصا الطاعة لولي الأمر، وقد قال الله تعالى: {ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين} وقال سبحانه: {ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها}، وقال جل ذكره: {ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق}. لقد أقدم على ارتكاب هذه الأعمال المحرمة قتلة جهلة آثمون منتحرون لا يبالون بما يدمر ويتلف... وإن الإنسان ليقف حيراناً مدهوشاً مذهولاً، ويتساءل أيحدث هذا في بلاد الإسلام وبين مسلمين؟؟ عجياً لهذا الكيد المبطن والشر المدبر والحقد المبيت.... ويتساءل الناس جميعاً أما آن لهؤلاء المفسدين أن يتوبوا من ذنوبهم ويقلعوا عن غيهم، ويكفوا عن شرهم... لقد أعطوا فرصة لمراجعة انفسهم في عفو كريم أصدره ولي الأمر لكنهم أصروا واستكبروا استكباراً... وتحولوا الى عشاق للفساد والى اصدقاء للظلم والباطل والى اعداء للحق والعدل... لقد بين العلماء وذكَّروا، وأوضح الخطباء ووعظوا... بين العلماء حرمة هذه الأعمال بنصوص الشرع المطهر حتى حفظ الناس تلك الأدلة من كثرة تردادها وتكرارها على مسامعهم... وعظوا وذكروا بحرمة قتل النفس وقتل النفوس المعصومة وعظوا وذكروا بحرمة الاعتداء والظلم بآيات وأحاديث حفظها الناس وأدركوا معانيها... من هذه الآيات قوله تعالى: {ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيماً} وقوله جل ذكره: {ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذاباً عظيماً}. وقوله تعالى: {ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق}. ومن الأحاديث قوله صلى الله عليه وسلم: «كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه» أخرجه مسلم. ومنها ما جاء في صحيح البخاري قوله عليه الصلاة والسلام: «لا يزال المؤمن في فسحة من دينه مالم يصب دماً حراماً». أبعد هذه النصوص والأدلة الواضحة الناطقة يقدم مسلم على مخالفتها.. ماذا يريد هؤلاء القتلة ومن يحرضهم من وراء هذه الأعمال الإرهابية التي علم تحريمها من الدين بالضرورة... ماذا يجني المفسدون الظالمون من مهاجمة مرافق ومصالح البلاد التي سخرت وقتها وجهدها للحفاظ على الأمن والاستقرار يسهر فيها رجال أمن يؤدون واجب الأمانة ويتحملون مسؤولية شرف الدفاع عن البلاد... ان هذا العمل المشين والتصرف الطائش يبرهن عن إفلاس فكري وضياع عقدي تعيشه هذه الفئة الضالة. فهؤلاء الشذاذ الأحداث المارقون عن طاعة الله ورسوله المرتبكون لأبشع الجرائم قد فارقوا الجماعة وشقوا عصا الطاعة وسلكوا سبيل الضلال والغواية. لقد دفعوا وخدعوا وزين لهم سوء اعمالهم.... انهم صغار في اسنانهم ضعفاء في عقولهم لا يخطر ببال أحد ان يفعلوا ما كان إلا بعقول غيرهم. فمن هي هذه العقول التي أغوتهم وأضلتهم؟؟ من الذي حرضهم ودفعهم الى عمل السوء؟؟ انها عقول خفية مستترة مارقة عن الدين حاقدة على الإسلام وعلى هذه البلاد استغلوا عقول الشباب ووجهوا سهامهم نحوهم وأفرغوا جهدهم في إغوائهم وصدهم... ووجدوا فيهم منفذاً لتحقيق أغراضهم ومآربهم وجعلوا يبثونها في قوالب التحسين لهم فتشربت قلوب هؤلاء الفتية بالانحراف الفكري والضلال العقدي وأدى بهم ذلك الى الإقدام على هذه الجرائم العظمى من القتل والتفجير وترويع الآمنين.. ألا إن القلب لينفطر والنفس لتجزع من تلك المآسي المفجعة والمصائب الموجعة التي غارت على عقول ابنائنا وشبابنا فانتزعتهم من أهليهم وجعلت منهم حطباً للضالين ووقوداً للمضللين وضحايا للإرهاب وأدوات للإفساد. ان الذين اضلوا هؤلاء الشباب مسؤولون امام الله عن هذه الافعال ومتحملون لأوزارهم وآثامهم كما قال سبحانه: {ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلون بغير علم ألا ساء مايزرون}. دخلوا قلوب الشباب وهم جهلة غير عالمين بما يدعونهم إليه ولا عارفين بما يلزمهم من الآثام فأوقعوهم في هذه الظلمات والضلالات وظنوا انهم على حق وما علموا انهم قد خسروا وتحملوا أثقالاً مع أثقالهم، والله تعالى يقول: {قل هل أنبئكم بالأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا}. والإقدام على هذه الأعمال الشنيعة قد بني على معتقد فاسد جر على المسلمين الكوارث والمصائب وعانت منه أمة الإسلام ويلات كبيرة من قديم الزمان، وأصل هذا المعتقد الضال هو «بدعة التكفير» والذين سقطوا في هذه البدعة اطلقوا حكم التكفير على المجتمعات الاسلامية وعلى المسلمين من غير علم ولا أهلية ولا برهان ولا دليل!!! ثم خرجوا من هذه الأحكام الى التصرفات الإجرامية من استباحة الدماء المعصومة وإتلاف الأموال وتدمير المنشآت والممتلكات.. أليس ذلك كله نتيجة الإهمال والترك لهؤلاء الناشئة والغفلة عن توجيههم وتربيتهم على أصول الإسلام وفروعه وأخلاقه وآدابه وفهم النصوص والأدلة على المنهج الصحيح الذي سار عليه السلف الصالح فإن ذلك إذا دخل في القلوب ووعته الآذان أكسبهم حصانة وحماية ضد كل فكر دخيل يدعو الى إرهاب او إفساد... ولا ريب ان المعلمين والمربين، والعلماء والدعاة يتحملون بحق مسؤولية هذا التوجيه والتوعية لإنقاذ الشباب من هذا الوحل الذي يكاد يحيط بهم إحاطة الظلام بالليل... وهم مسؤولون أمام ربهم عن هذا الإنقلاب المتفشي في التربية والتعليم والذي يعد جناية على الناشئة وعلى الأجيال القادمة وانعكاسه خطير جداً على الأسرة ثم على المجتمع ثم على الأمة.. ولئن كان الذين خدعوا وضللوا هم قلة قليلة فإن السواد الأعظم من شبابنا فيه خير كثير، ولا يمكن ان يقاس على هؤلاء الشرذمة الضالة. لأنهم - كما أعلم ولله الحمد - شباب تربوا على الحق والصلاح ومنهج الوسطية والاعتدال وحب الخير وفعل المعروف والاستقامة على السلوك السوي وطلب العلم وتلقيه من مصادره الأصيلة فجمعوا بين طلب العلم ونفع انفسهم والإخلاص لدينهم والوفاء لوطنهم، والتعاون مع ولاة امرهم على البر والتقوى وذلك من آثار دعوة اصلاحية صالحة انبثقت من هذه البلاد المباركة - حرسها الله -. هؤلاء الشباب بما أوتوا من علم وعقل ينبذون هذه الافعال الإجرامية ويجرمون مرتكبيها. وإنني أؤكد على الاهتمام بتربية العقول على العلم الشرعي الذي ينبذ الفساد والإرهاب وهذا هو السبيل القويم الذي يؤدي الى حفظ الجيل القادم من هذه الشرور ويؤدي الى توثيق عرى الإسلام في قلوبهم والى توحيد أفكارهم ومشاربهم واتجاهاتهم وتصحيح عقولهم وتسديد نظرهم... وعلى الأباء والأولياء ان يكونوا في يقظة دائمة ومتابعة مستمرة ونحو أبنائهم في ذهابهم وإيابهم وألا يدعوهم الى شياطين الانفس يربون عقولهم على ما أرادوا لأن الترك والإهمال لهذا الجانب يعقبه حسرة وعقوق وتقترن به آفات وتصحبه مصائب وتتبعه مفاسد، ومن يك راحماً فليقس أحياناً على من يرحم. والله ولي التوفيق. ٭ عميد كلية اصول الدين امام وخطيب جامع قصر الأمير سلمان بن عبدالعزيز في المعذر - الرياض