ظهرت كثير من الأعمال الغربية حول تاريخ التقنية , ولم تحتوِ هذه الأعمال أكثر من إشارات عابرة إلى بعض الإنجازات العربية والإسلامية في مجال التقنية إلا قليلاً , وأنها حافظت عليها كما ورثتها من الحضارات السابقة لها . وتبين الدراسات الحديثة أن العرب والمسلمين قد اهتموا بعلم الميكانيك الذي جاء في الكتب العربية تحت اسم ( علم الحيل ) , وبدأ ازدهار فنون الميكانيك العربية من خلال بني موسى في بغداد عام (236ه850م) , وبلغت أوجها على يد الجزري في ديار بكر(602ه - 1206م). وتعبر أعمال هؤلاء العلماء الكبار حقيقة عن التقدم الهندسي في عهود الازدهار العربية. وقد تفوق العرب في صناعة الساعات , وينسب إليهم اختراع الرقاص , والساعة الدقاقة التي أهداها الخليفة العباسي هارون الرشيد إلى شارلمان تدل على تقدم العرب في هذا المجال. كما تقدم العرب والمسلمون في أنظمة الري , وبناء السدود , وتطورت الزراعة في عهد الازدهار العربي. وتوضح الدراسات أن العرب قد تقدموا في صناعة الفولاذ وكان لهم دور في صناعة السيوف الدمشقية ذات المتانة الفائقة. وقام علماء العرب والمسلمين من أمثال جابر بن حيان والرازي , وابن الهيثم وغيرهم بالكثير من الأعمال التطبيقية التي كانت الأساس الذي سارت على هديه المدارس العلمية في أوروبا بعد ذلك. وعلى الرغم من إنجازات العرب والمسلمين والتي كانت دفعة قوية لتقدم الحضارات الإنسانية - فإن هذا الإعجاز العلمي والتقني في عهد الازدهار لم يتسرب إلى نسيج الثقافة العربية. وفي الآونة الأخيرة أكد معظم المهتمين بالسياسات الثقافية على أهمية إدراك البشر لذاتيتهم الثقافية - فهي الطريق لتنمية المواطنين , والتراث هو محور الثقافة. ولايمكن أن يحدد إطار الذاتية الثقافية دون أن يكون واضحاً أمام هؤلاء الذين يتعرضون لمناقشة المشروع الثقافي العربي عناصر القوى التي أتاحت للمسلمين إحراز هذه الإنجازات الهائلة في جميع ميادين العلوم. ويجب أن يتم هذا في إطار إدخال نظام الدراسات الاجتماعية للعلوم ؛ حيث ينبغي كتابة تاريخ العلوم والتقنية على أساس من التأصيل الذي يخدم تاريخ العلوم عند العرب والمسلمين وظيفياً بما يساعد على رسم الخيوط الأساسية لثقافة عربية إسلامية تستمد أصولها من التراث العربي والإسلامي ...