إن التطوير والتنمية اللذين نعيشهما اليوم بشكل رهيب هما نتاج لتمدد عمراني واضح للعيان فالنظرة لدى الكثير من مثقفي المجتمع ناهيك عن عامتهم يعتقدون بأن المباني التى توفر بيئة تحفظ صحة مستعمليها وتستخدم طاقة اقل وتؤدي إلى تخفيض تأثيرها السلبي على البيئة هي بيئة جيدة ويرى اغلب العمرانيين لن يكون ذا جدوى إذا كان بمعزل عن ثقافة وأسلوب المجتمع . فمثلاً إذا تم خفض استخدامات الطاقة في المباني لاستخدمها في أنشطه أخرى فلن يكون الاتجاه العمراني قد حقق هدفاً منه . وهذه نظرة قاصرة عن تنمية العمران في مدننا فالعمران ليس مباني فقط وإنما هو فكر شامل . لذلك لابد من ربط هذا الفكر العمراني والتنموي بالقيم الأساسية التى تسود ثقافات كثيرة حول العالم. وذلك أن القيم التى انتشرت مثل الجشع ، الاتجاه في تحقيق النمو اللانهائي يعكس نوعاً من العنف عندما ننعزل عن شبكة الحياة ونعطى لأنفسنا الحق في أن نأخذ من الآخرين ومن المستقبل ومن الطبيعة ما يشبع رغباتنا المادية اللانهائية . ويعتبر ذلك اتجاهاً انتحارياً حيث انه سيدفع بالبشرية خلال 25 عاماً المقبلة إلى استهلاك من الحياة أكثر ممن يوجد على كوكبها. أن وجود عدد من القيم المتدينة التى أدت إلى انتشار العديد من الأمراض الاجتماعية مثل العنف،الإدمان،الجرائم،استغلال الأطفال،تحطيم الأسرة،العنف ضد الزوجات، اللامبالاة، انعدام المأوى،التسرب من التعليم،الفقر، إنما يعكس انعدام المناعة النفسية والروحية وقد أوضحت الدراسات أن هذا الانهيار المناعي ينبع من الإحساس بانعدام القيم،عدم الاحترام للآخرين، عدم إتاحة الفرصة لكي يكون الفرد ذا نفع لمجتمعه وأسرته، وهى مشاكل نفسية وروحية. أن العمل الذي يؤدي لإثراء المهارات، احترام الذات المتبادل والإحساس بأن الفرد ذو قيمه للمجتمع هو عمل يشبع الاحتياجات الروحية ويساعد على الاستدامة وتحقيق الحلم الذي نحلم بوجوده.فهذا النتائج الداخلي للعمل والمردود النفسي له قد يكون أكثر جدوى ونفع من النتائج الخارجي له. فالاستدامة تستلزم وتحولات في معتقداتنا وأفعالنا وبناء المؤسسات التى تستبعد قيم الاستهلاك غير المتسق مع المجتمع، وذلك لكي نصل إلى مفاهيم وقيم تساعد في تنميه الأساس الروحي للتنمية في حياتنا ومجتمعاتنا مثل القيم المؤكدة على ثراء العمل والحصول على السعادة بأقل استهلاك وعدم التمسك بالسعي وراء الثروة، فالنمو الذي اعتبر ضروريا لمساعد، الفقراء أدى إلى تركيز الثروة في يد الأغنياء إذاً فهناك حاجة إلى العدالة بدون خفض المستوى المادي للمعيشة وبدون الحاجة للحلول الملتوية . لذا روحانية وثقافة المجتمع هي نبع لتنميته عمرانياً . *باحث بالتخطيط والتطوير العمراني