لطالما أثار الصيام جدلاً واسعاً في الأوساط العلمية سعياً لمعرفة الجدوى منه وما إذا كانت له فوائد على صحة الانسان. فقد حثت الأديان السماوية: الإسلام واليهودية والمسيحية على الصيام وجعلته جزءا من الدين يشعر معه الصائم بالفائدة الروحية. وباستثناء هذه الفائدة يتساءل الكثيرون عن مدى الفائدة الجسدية التي يكتسبها الجسم أثناء الصيام. وقد برز حديثاً مايعرف بالطب البديل الذي يؤمن بأن الصيام يفعل مفعول السحر في الشفاء من الأمراض. تبدأ عملية الصيام فعلياً خلال 12- 24 ساعة الأولى من الصيام. فمن الناحية الجسدية لا يمكن القول بحدوث الصيام حتى تبدأ العمليات الكيميائية في الجسم لاستهلاك الكربوهيدرات المخزنة كمصدر للطاقة. وتستمر عملية الصيام طالما استمر تحويل مخزون الكربوهيدرات في الجسم إلى طاقة عوضاً عن مخزون البروتين. أما إذا بدأ الجسم باستهلاك البروتين المختزن لامداده بالطاقة (الأمر الذي يؤدي إلى فقدان كتلة العضلات) فإن الشخص الصائم يكون قد بلغ مرحلة التضور من الجوع. قبل الحديث عن الفوائد الجسدية للصيام لابد من التطرق إلى آلية الصيام وما يصحبه من تفاعلات في جسم الصائم. فعند عدم تناول الطعام يتوقف تزويد الجسم بالطاقة فيلجأ الجسم نفسه إلى استغلال مصادره الخاصة للحصول عليها في عملية تسمى التحلل الذاتي autolysis يمكن تعريفها بأنها عملية حرق أو تكسير الدهون المختزنة في الجسم لإنتاج الطاقة. والكبد هو العضو المسئول عن تحويل الدهون إلى مادة عضوية تسمى كيتون (مواد أيضية وأحماض) ومن ثم توزيع هذه الكيتونات إلى جميع أنحاء الجسم عبر مجرى الدم. وعندما يتم استغلال الدهون بهذه الطريقة تنبعث الأحماض الدهنية الحرة إلى مجرى الدم ليستخدمها الكبد في انتاج الطاقة. وكلما قلت كمية الأكل زادت عملية حرق الدهون الكامنة لانتاج الكيتونات ومن ثم الحصول على الطاقة، ويشار إلى تراكم الكيتونات بمصطلح الكيتوزية. من الفوائد الشائعة للصيام التخلص من السموم Detoxification وهي عملية طبيعية يقوم بها الجسم للتخلص من السموم أو تحييدها عن طريق القولون والكبد والكلى والرئتين والغدد اللمفاوية والجلد. وتنشط هذه العملية بفعل الصوم لأن عدم تناول الطعام يدفع بالجسم للبحث عن الطاقة في احتياطي الدهون. وتحتوي الدهون في جسم الانسان على 3500 سعرة حرارية في الرطل الواحد مما يوحي بإمكانية أن يعيش المرء بالاعتماد على رطل واحد من دهون جسمه كمصدر للطاقة يكفي لممارسة وظائفه بشكل طبيعي. وينشأ احتياطي الدهون الزائدة في الجسم نتيجة لتراكم الجلكوز والكربوهيدرات التي لم تستغل للطاقة أو النمو فتتحول عندئذ إلى دهون. عندما يتم استخدام احتياطي الدهون للحصول على الطاقة أثناء الصيام فإنها تطلق مواد كيميائية من الأحماض الدهنية إلى أجهزة الجسم حيث يتم التخلص منها بواسطة أعضاء الجسم المذكورة سابقاً. ولا ينطبق الأمر على المواد الكيميائية الموجودة في الطعام فحسب بل أيضاً على ما يمتصه الجسم من البيئة المحيطة كمادة DDT الضارة والتي تختزن في الجسم كدهون وتنبعث مع استهلاك الجسم للدهون كمصدر للطاقة أثناء الصيام. وقد وجدت دلائل تشير إلى وجود هذه المادة السامة في بول وبراز وعرق الصائم. الصيام يقلل من حدة الارتيكاريا وهناك فائدة أخرى للصيام هي عملية الشفاء التي تنشط في الجسم أثناء الصيام، حيث يتم توجيه الطاقة بعيداً عن الجهاز الهضمي - لخلوه من الطعام وعدم الحاجة لعمله – واستغلالها في الجهاز المناعي وعمليات الأيض ( التمثيل الغذائي ). وكل ما يحدث في الجسم من نمو غير طبيعي كالأورام وما شابهها لا تتغذى بالشكل الكافي وبالتالي تكون أكثر عرضة للتحلل الذاتي. وعلاوة على ذلك ينتج الجسم البروتين لتعويض الخلايا التالفة بشكل أكثر كفاءة في عملية تسمى تخليق البروتين. ويؤدي نشاط هذه العملية في الجسم إلى زيادة صحة الخلايا والأنسجة والأعضاء. ولهذا السبب تلجأ بعض الحيوانات إلى الصيام والتوقف عن الأكل عند إصابتها بالجروح، كما أن الإنسان يفقد شهيته للأكل فلا يشعر بالجوع أثناء المرض كالإصابة بالإنفلونزا والتهاب المعدة والتهاب اللوزتين ونزلات البرد. وبناء على ذلك إذا بدأ شخص ما بالصيام فإن طاقة جسمه تتحول لا شعورياً من الجهاز الهضمي لتستنفد في الجهاز المناعي. بالإضافة إلى ذلك يحدث أثناء الصيام انخفاض في درجة حرارة الجسم الرئيسية كنتيجة مباشرة لتباطؤ معدل الأيض ووظائف الجسم الطبيعية. فبعد انخفاض مستوى السكر في الدم واستخدام احتياطي الجلكوز الموجود في الجليكوجين في الكبد ينخفض معدل الأيض القاعدي BMR للحفاظ على أكبر قدر ممكن من الطاقة داخل الجسم. وفي أثناء الصيام تنشط هرمونات النمو نظراً لزيادة الكفاءة في انتاج الهرمونات. أثناء الصيام يصبح الجسم بحاجة إلى الماء أكثر من المعتاد للصيام أثر ثبت علمياً هو الشعور بالتجديد وتمديد متوسط العمر المتوقع للإنسان. إن جزءاً من هذه العملية يتحقق بفعل فوائد الصيام السابقة الذكر. وتساهم بعض العوامل على المدى الطويل من الصيام في تمديد العمر كتباطؤ عملية الأيض وكفاءة انتاج البروتين وتحسّن أداء الجهاز المناعي وزيادة انتاج الهرمونات. وإلى جانب إفراز هرمون النمو أثناء الصيام يزداد بفعالية انتاج الهرمون المسئول عن مقاومة الشيخوخة. إن الطريقة الوحيدة التي يُعوَّل عليها لتمديد عمر حيوان ثديي هي نقص التغذية دون سوء التغذية. وقد أجريت تجربة على ديدان الأرض لدراسة تمديد الحياة بفعل الصيام. حيث تم عزل دودة الأرض وإخضاعها لدورة من الصيام والإطعام. وقد عاشت الدودة حتى الجيل 19 مع الحفاظ على سماتها الفسيولوجية . فقد بقيت الدودة على قيد الحياة بالاعتماد على الطاقة المستمدة من أنسجتها الخاصة لمدة شهور. وحالما يبدأ جسمها بالضمور يتم إطعامها من جديد إلى الحد الذي تستعيد معه نشاطها وحيويتها وهكذا. وبالمقارنة مع حياة الانسان فإن فترة تمديد حياة الدودة تعادل في الانسان ما يبقيه حيّاً لمدة 600-700 سنة. فوائد الصيام للبشرة يساعد الصيام في الشفاء من ردات الفعل المصاحبة لحساسية الجلد بما فيها حمى القش والربو وكذلك الأكزيما والتهاب الجلد وتهيجه نتيجة الاتصال بمادة أو جسم معين. وقد ثبت أيضاً فائدة الصيام في التخلص من سموم الجسم في ردة فعل طبيعية لتحييد السموم أو إخراجها من خلال أعضاء الجسم والجهاز الهضمي وجهاز المناعة والجلد. حيث يبدأ الجسم مع انعدام الأكل بالبحث عن مصدر آخر للطاقة من خلال تكسير احتياطي الدهون المخزنة في الجسم وما تحويه من سموم . ويقلل الصيام من البقع الدهنية على بشرتكِ ويزيد من صفائها خصوصاً في المنطقة حول العينين الأمر الذي لا يتحقق حتى باستخدام كريمات ووسائل العناية بالبشرة على الرغم من أن هذا المظهر ليس سوى نتيجة عابرة تترافق مع الصيام. ويكثر القول بأن الصيام يقلل من حدة بعض المشاكل الجلدية مثل حب الشباب والصدفية والاكزيما والأرتيكاريا (الشري) والحساسية وتهيج الجلد والأكزيما وربما السرطان وتقرحات الجلد التي تسببها البكتيريا الموجودة طبيعياً في الإنسان. ` أثناء الصيام تنخفض كمية الماء داخل جسمكِ فتزيد حاجة الجلد إليه ولذا يصبح جسمك بحاجة إلى الماء أكثر من المعتاد. وإذا لم يتخلل ساعات الصيام استخدام أيّ من المستحضرات الطبية للعناية بالبشرة ولم تتفاقم لديكِ المشاكل الجلدية فهذا يعني أن للصيام مفعولاً جيداً على صحة البشرة. ويقول عدد من الباحثين ان كمية الماء في الدم أثناء الصيام تقلل من نسبة الماء في الجلد مما يؤدي إلى انخفاض نفاذية الجلد ومقاومة الميكروبات والالتهابات البكتيرية. ولذلك ينصح بالاستحمام بالماء الفاتر يومياً واستخدام نوعية عالية الجودة من منتجات الترطيب على كامل الجسم إلى جانب كريمات الوقاية من الشمس نظراً لزيادة حساسية الجلد في فترة الصيام فضلاً عن اتباع ارشادات الطبيب المختص والتقيد بها أكثر من ذي قبل. والاستمرار أيضاً باستخدام غسول الوجه والتونك والكريمات المرطبة ونوعية جيدة من مزيل العرق لتخفيف رائحة الجسم. الاهتمام برطوبة الجسم قدر الإمكان خلال ساعات الإفطار لتفادي الآثار الجانبية للصيام كجفاف الجسم وفقدان العناصر الأساسية والفيتامينات والتي يمكن أن تؤدي إلى التقيؤ والإسهال خاصة في أيام الصيف الطويلة. والاكثار من شرب الماء واستخدام مستحضرات العناية بالبشرة عدة مرات في فترة الصيام لتعويض النقص الحاصل في كمية الماء في الجسم أثناء ساعات النهار.