في رواية للصدوق الأصمعي حدثني رجل من الأعراب يقول خرجت أطلب أعق الناس فكنت أطوف بالأحياء حتى انتهيت إلى رجل في عنقه حبل يستقي من دلو لا تطيقه الإبل في الحر الشديد ، أطلقه شاب في يده رشا أي حبل يضربه به وقد شق ظهره بذلك الحبل . فقلت أما تتقي الله بهذا الشيخ الكبير ؟ فقال انه أبي !! قرأت هذه الرواية كما في الأثر وكنت أظن -مخطئا- بأنها أسوأ ما قرأت أو سمعت، أو رأيت ، طوال تجربتي التي امتدت لأكثر من خمسة وعشرين عاما في العلاج الاجتماعي والأسري وخصوصا في قضايا الإدمان . وقبل بضعة أسابيع حضرت إلي امرأة تطلب الإذن لسماعها ومساعدتها . بدأت حديثها بآهات وصوت منخفض ساعدني يا ولدي إنني أعاني من مشكلة إدمان الحشيش فقلت لها : ماذا تقولين يا أمي ؟ لم أسمعك جيدا فقالت أنني أعاني من إدمان ابني الأكبر للحشيش عندها بادرت بتهدئتها ،بأن كثيرا من الشبان يقعون بهذه المشكلة وليس مستحيلا حلها وتعافيهم بإذن الله . أردفت الأم قائلة منذ وفاة أبيه وأنا أعيش الأمرّين مع شقيقاته الثلاث وهو ، كثير المطالب والنوم، رث الثياب ،يتغيب عن المنزل بالأيام ،لا يحضر المناسبات الاجتماعية ، متعدد المشاكل ،لا يرغب بتحمل أي مسئولية رغم انه ابني الوحيد . طلبت من الأم هل تستطيعين احضاره لإخضاعه لبرنامج العلاج والمتابعة ؟ لتقاطعني حديثي انه يرفض العلاج بل لا يعترف بوجود أي مشكلة ويردد دائما انكِ تضخمين الأمر فجميع الشبان أقراني يتعاطون الحشيش ولا يوجد ادنى مشكلة فقط أنتِ تسيئين فهمي !! أرجوك أن تساعدني ماذا علي أن افعل ؟ . بدأت الحديث معها مرة أخرى عن أبعاد المشكلة وان الرفض والإنكار جزء من فهمنا لطبيعة مشكلة الإدمان وأن عليها مراجعة الجهة المختصة للقبض عليه وإحضاره للعلاج وان هذا الأمر لن يستغرق يوما واحدا . انخرطت الأم في بكاء شديد أرجوك أن تسمع هذه المحادثة الهاتفية مع ابني الذي قمت بتسجيلها ظنا مني بأن التسجيل سيساعد في تحديد مكانه وذلك عندما هرب بسيارتنا الوحيدة لبضعة أيام وقد كان يوما ماطرا وكنت استجديه للعودة إلى المنزل خوفا عليه . سمعت المحادثة وليتني لم اسمع " الأم تسال الابن أين أنت يا ولدي أين أنت ؟ . الابن يقاطع حديث الأم ويبادر بكلمات الغزل البذيئة ويدعوها لمعاشرته بل ويتمادي بالحسرة على الوقت الذي مضى بأنه لم يتمكن بها قبل أبيه !!!! " يا إلهي لم استطع إكمال سماع المحادثة ، إن لله وإن إليه راجعون . استجمعت جميع ما اكتسبت من مهارات للمقابلة العلاجية وطلبت من الأم أن تستغفر الله وتدعو له وان الله سبحانه وتعالى لطيف بعبادة . أحضر رجال المكافحة الابن قسرا في اليوم التالي لتلقي العلاج برفقة أمه المسكينة ! ! إنها الحشيشة اللعينة والتي تفتك بمتعاطيها حتى توصله إلى أرذل من ذلك بمهانة النفس وعقوق الوالدين . لماذا كل هذا ؟ هل هي اللذة المزعومة ؟ إنها الحشيشة التي تؤثر على خلايا المخ ، وتسبب الالتهابات في المعدة والأمعاء وتدهور بالتدريج في وظائف الكبد ،والتهابات في ملتحمة العين عند 72 % من المتعاطين وهي صعبة الشفاء ، إنها الحشيشة التي تضعف القدرة الجنسية على عكس ما يظنه متعاطوها لأنها تخفض إنتاج ( هرمون التستوسيترون )المسئول عن علامات الذكورة . إنها الحشيشة التي تخلق حالات انفعالية ووجدانية مضطربة فتجد متعاطيها أحياناً منشرحاً وبعد دقائق تنقلب حالته إلى اكتئاب وقلق . إنها الحشيشة التي تؤدي إلى تجسيم وتضخيم الانفعالات والاتجاهات الكامنة في نفس المتعاطي وربما يؤدي إلى ارتكابه الجريمة . إنها الحشيشة التي تقلب جو العائلة الى جحيم . أكاد أتحسر يوما بعد يوم عندما استمع لشكوى أم أو أب عن عقوق ابنهما وماذا فعلت به المخدرات . إلى كل شاب يعاني, إلى كل فتاه تعاني من الإدمان احذروا من خطر عدم الاعتراف احذروا من خطر التأجيل ، احذروا من التهوين من حجم المشكلة احذروا من التوقف المشروط احذروا من تصديق أنفسكم بإمكانية التوقف دون مساعده . احذروا من عدم استكمال مرحلة التأهيل فالتعافي لا يعني التوقف عن استخدام المخدر فقط ! فالتعافي يشمل إعادة دمج المدمن في الأسرة والمجتمع ويسمى : بظاهرة الخلع : حيث يؤدي الإدمان إلى انخلاع المدمن من شبكة العلاقات الأسرية و الاجتماعية حيث يعتمد العلاج هنا على تحسين العلاقة بين الطرفين وتنمية المهارات الاجتماعية المعطلة وتعلم العلامات المنذرة باحتمالات النكسة وطرق التعامل معها . بادروا بالتوبة وطلب المساعدة والعلاج والتأهيل فكم مدمن تائب تخلص من هذا السم ولحق بالركب وعاد باراً بوالديه . انتهزوا فرصة دخول الشهر الفضيل قبل فوات الأوان . فلنجعل علاقة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بوالديهم قدوة لنا هذا سيدنا نوح عليه السلام يدعو لوالديه ويقول ( ربي اغفر لي ولوالدي ولمن دخل بيتي مؤمنا ) . ولنتأمل حال يحيى وعيسى عليهما السلام ماذا ذكر الله عنهما ؟ يقول الله سبحانه وتعالى عن نبينا يحيى عليه السلام : (وبراً بوالديه ولم يكن جباراً عصيا) أي مسارعا لطاعتهما ومحبتهما ، غير عاق بهما ولم يكن مستكبرا عن طاعة ربة وطاعة والديه . ويقول عن عيسى عليه السلام ( وبراً بوالدتي ولم يجعلني جبارا شقيا ) . فلننهض ونقرر هزيمة العقوق والإدمان والاستعباد بالتوكل على الله، ورضا الوالدين .في شهر المغفرة والعتق من النار وعقد العزم على قهر جبروت الشهوة المتغلبة علينا وتقوية الإرادة الضعيفة المهزومة والروح القتالية في العزم على الصبر الطويل . وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال : ( إذا دخل رمضان فتحت أبواب الجنة ، وغلقت أبواب جهنم وسلسلت الشياطين ) . * استشاري اجتماعي