شخصيا حضرتُ بعض نشاطات جمعية المتقاعدين، وبقدر ما يساعدني الوقت، وزحمة السير أود ألا تفوتني نشاطات كهذه، لكونه جزءا من التفكير العام في رفاهية أهل الوطن، وتجنيبهم تأثير العزلة والمكانة الوظيفية السابقة لبعضهم. ورأيتُ أن نسبة كبيرة -وأذكر الله- لم يؤثر به قرار تقاعده، ونسبة منهم انزعج فقط عندما طالبوه بتسليم السيارة الحكومية (أعراض اكتئاب مؤقتة إن شاء الله). تهدف الجمعية إلى الاهتمام بشريحة المتقاعدين من الذكور والإناث، ومن العاملين في القطاعات الحكومية والأهلية وكذلك العسكريين، والاهتمام بنحو خاص بحاجاتهم الصحية والترفيهية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية. وتسعى الجمعية لإنشاء قاعدة بيانات توضح مؤهلات وخبرات المتقاعدين الميدانية والأكاديمية، وتعمل الجمعية على تنشيط أهدافها من خلال الندوات والمؤتمرات العلمية والمهنية في جميع المدن السعودية، والعمل على إيجاد برامج تدريبية وقاعدة معلومات عن المتقاعدين الراغبين في الدخول لسوق العمل والجهات الراغبة لخدماتهم ومحاولة الربط بينهم وبين المنشآت الاقتصادية. يوجد في السعودية أكثر من 700 الف متقاعد من الرجال والنساء، من المتوقع ان يرتفع العدد الى مليون و300 الف متقاعد خلال السنوات الخمس القادمة، ومعظم المتقاعدين يفتقدون البرامج التي تؤهلهم من جديد للخدمة الاجتماعية او اثراء الجانب الثقافي والاقتصادي في حياتهم. ولدى الآلاف منهم إمكانية العمل مجدداً في القطاعات الاهلية ويتجه الكثير منهم للأعمال الخاصة. ومسألة التقاعد قرعت أبواب المجتمعات بعد ظهور أنظمة الخدمة المدنية، وبانت مؤثراتها جلية. وقبل ذلك كانت الناس تمشي في مناكبها وتأكل من رزق الله، ولا يُعرف المتقاعد من غيره. ف.. "فيضة" الضحى تمحو الملل. والجلوس عند صاحب دكان في الحارة تُنشط المزاج، وكذلك "فيضة" العصر، بعد الصلاة حتى أذان المغرب تنسي الهموم والملل وتُبعد السأم. ومن لا يناسبه الجلوس سيجد مكانا في "العاير" (تقاطع شارعين) حيث يجد رفاق الجوار. ونذكر رجلا يقوم بحمل وتوصيل الأشياء الأغراض الثقيلة، من السوق إلى المنازل، وكان ذا بنية قوية ومتينة. وكان مقر تواجده عتبة في السوق معروفة لدى الجوار، وينتظرون عودته إلى عتبته. قال لي متقاعد إن أصعب ساعات النهار وأكثرها مللا هن ساعات الصباح. لأن المساء أهون عليه، حيث يجد من يجلس اليه ويحادثه من الزملاء. في الغرب أوجدوا جمعيات أهلية تُدرج أسماء المتقاعدين وخبراتهم. ويرشحونهم لشركات جديدة لا لكي يُصبحوا "مدراء" مشاريع، بل يرجع إليهم مدير المشروع أو رجاله في أخذ رأيه فيما استصعب عليهم فهمه. ويكون دوامه لساعات قليلة تتناسب مع قدرته على العطاء. ولا يكون ضمن أصحاب القرار في المنشأة.