"أن إسرائيل يجب ألّا تخشى التغيير في دمشق ولا أعتقد أن الأسد يقترب من لحظة يفقد فيها السلطة لكن الوحشية المتصاعدة تضعه في مأزق، كلما زاد عدد القتلى تراجعت فرصه للخروج من هذا الموقف، لكن لجوء الرئيس السوري إلى استخدام القوة ضد شعبه يعجّل في سقوط حكمه".... هكذا عبرت إسرائيل على لسان وزير دفاعها أيهود باراك عن موقفها العائم مما يجرى داخل الأراضي السورية الآن من أحداث متصاعدة تتفاوت في حدتها وعنفها بين مدينة وأخرى. حيث يظهر هذا الموقف وغيره من المواقف الواردة إلينا من داخل تل أبيب مدى القلق الذي تخشاه جراء احتمالات تصاعد الموقف في سوريا ووصوله إلى درجة سقوط النظام وما قد يتبعه من غموض تام وغير واضح بالنسبة لإسرائيل فيما يتعلق بالوضع مستقبلاً مع سوريا وما بين تمسك الرئيس السوري بموقفه وتشبثه بالسلطة وصولاً إلى دخول سوريا في حالة من العنف المسلح كما وصلت إليه من ذي قبل ليبيا التي تشهد هي الأخرى تمزقا رهيبا وصراعا عسكريا قاتلا بين كتائب القذافي ومعارضيه من الثوار الذين يتمركزون في مدينة بني غازي شرق ليبيا. والواضح أن أكثر ما تخشاه إسرائيل هو قيام الرئيس السوري بفتح جبهة الحرب معها سواء أكان ذلك عبر فتح حدود بلاده معها أو منحه الضوء الأخضر لحزب الله اللبناني لتصعيد الأحداث في الجبهة الشمالية لإسرائيل وهو الأمر الذي تنظر إليه تل أبيب الآن بعين الاعتبار ويجعلها تراقب ما يحدث عن كثب وهو ما تحدثت عنه الصحف الإسرائيلية صراحة مؤخراً، مؤكدة أن إسرائيل تستعد لاحتمال أن تقوم سوريا بخلق حالة من التوتر على طول الحدود الشمالية لصرف الانتباه عن الاحتجاجات المتنامية ضد نظام الرئيس بشار الأسد، بل إن مسئولا استخباراتيا إسرائيليا رفيع المستوى صرح بأن الوضع مقلق للغاية خاصة وسط ورود معلومات من دمشق تؤكد أن الرئيس السوري لم يعد لديه القدرة على الإمساك بزمام الأمور وإعادتها لما كانت عليه في بلاده قبل اندلاع التوتر في مدينة درعا. ووسط هذه المخاوف من سقوط نظام يعتبره البعض داخل إسرائيل بمثابة صمام أمان لها على الحدود بين البلدين ووسط تأكيدات متلاحقة بأن زوال بشار لايعني سوى قدوم الإخوان المسلمين للسلطة وما قد يتبع ذلك من توتر حقيقي غير مسبوق يربك الوضع في إسرائيل بشكل لم تعتد عليه من ذي قبل، تطرق إيال زيسر الخبير الإسرائيلي في الشئون السورية والباحث في معهد دايان للدراسات السياسية والإستراتيجية في إسرائيل وفي سياق ورقة بحثية موجزة له تناول فيها مجمل الأوضاع في سوريا للحديث عن ملاحظاته بشأن ما يمكن أن تؤول له الأمور هناك إذ أشار إلي أن ما يحدث الآن في سوريا ما هو إلا حراك طبيعي للأحداث المتلاحقة في المنطقة، نظرا لتشابه المشاكل فيها بالمشاكل الموجودة في البلدان العربية الأخرى، وقال "الواقع الاجتماعي والاقتصادي السائد في سوريا لا يختلف جوهريا عن الواقع في البلدان العربية الأخرى. فالشباب السوريون لا يختلفون عن الشباب في كل من مصر وتونس، وهم مثلهم فاقدون لأمل في مستقبل أفضل ولا يقتصر الأمر على ذلك، بل يعانون من قبضة حديدية من النظام الديكتاتوري لم تكن موجودة في كل من تونس ومصر". لكن الخبير الإسرائيلي عاد وأكد أن الوضع في سوريا يختلف عن مصر وتونس وأرجع ذلك ولاء الجيش السوري للرئيس بشار الذي ينتمي معظم قادته لطائفته العلوية فإن قادة الجيش السوري، مشيراً إلى أن هؤلاء كذلك يدركون أن هدف المتظاهرين إسقاطهم هم أيضا لأنهم جزء أساسي من نظام البعث الذي يقوده بشار الأسد، وهو ما يجعل الرئيس السوري على ثقة في استقرار نظام حكمه. ثم تحدث الخبير الإسرائيلي عن الوضع الطائفي المتشابك في سوريا وخطورته على نظام الحكم السوري مستقبلاً مؤكداً أن تطور الأحداث وتصاعدها وضمان مشاركة كافة الطوائف السورية في المظاهرات سيكون وحده كفيلاً بسقوط الأسد وطائفته العلوية وإبعادها عن الحكم، حيث أشار بقوله إلى أنه سيكون من الصعب في مثل هذه الحالة على النظام وأجهزته الأمنية التي يقود معظمها أبناء الطائفة العلوية قمع المتظاهرين. إجمالاً فأن ما يرد من تحليلات وتعليقات إسرائيلية يجعلنا على ثقة بأن نقول إن تل أبيب وعبر ما رددته وتردده بشكل دائم عن تفوقها الاستخباراتي في معرفة الأحداث قبل وقوعها ليس إلا حديث الوهم فالجميع هناك وأن اختلفت توجهاتهم يتفقون على شيء واحد الآن ألا وهو عدم وضوح الصورة الواردة من دمشق تماماً وعدم قدرتهم على تحليلها بالشكل الصحيح وهو ما يجعلهم يجتمعون على شيء واحد وهو بقاء النظام السوري في السلطة حتى لا تتطور الأمور بما لا يحمد عقباه وتكون إسرائيل وحدها الخاسرة فيه.