كتبت مقالات عديدة عن توطين الوظائف، ولمحت في العديد منها الى شركات وطنية لا تساهم في توطين الوظائف او ما يعرف بالسعودة التي تتبعها الدولة منذ حوالي العقدين، بحيث يتم توطين الوظائف واحلالها بسعوديين يستطيعون اداء عملهم بكفاءة عالية، لكنها تواجه تياراً قوياً لا يرجو لها النمو وتحقيق اهدافها النبيلة. والمقاومة الشرسة ضد توطين الوظائف واضحة في بعض الشركات، لكنها خفية وتآمرية في معظمها. وكنت اتمنى من القائمين على السعودة دعم ما يكتبه الاقتصاديون حولها والتواصل معهم لنقل الحقائق المزعجة، حيث تصلني شكاوى كثيرة من المواطنين الذين يعملون في العديد من الشركات السعودية التي يديرها عدد كبير من الوافدين الذين يقاومون توطين الوظائف سياسةً ومفهوماً وتطبيقاً. ويجب ان نكون على درجة عالية من الشفافية لننظف شركاتنا من الذين يقاومون توطين الوظائف، فهم يستغلون كافة السبل لمضايقة المواطنين الذين يعملون بها، والمخيب للآمال ان بعض السعوديين في المراكز العليا يتواطئون معهم اما لحماية مصالحهم الشخصية او لأنهم لا يرغبون ان يصبح المواطنون الاكفاء منافسين لهم في ما بعد. اعتقد ان السعودة الفاعلة تبدأ في المراكز القيادية العليا في الشركات السعودية التي يسيطر عليها بعض الوافدين الذين لا يرغبون في توظيف المواطنين، بل يحاولون استقدام وتوظيف ابناء بلدانهم لسبب او لآخر، فالمعلومات المتداولة بينهم تشير الى ان بعض مديري الشركات السعودية من الوافدين يجلبون ابناء جلدتهم بطرق غير اخلاقية ومنها الرشوة للحصول على وظائف في تلك الشركات. وهذه السلوكيات السلبية بلاشك تشير الى الحاجة السريعة لفرض توطين الوظائف في المستوى الاعلى لأن المواطنين الذين سيتقلدون مناصب عليا سيكونون دعماً للمواطنين المؤهلين للوظائف الدنيا. ويجب الا نتوقع من القياديين الوافدين في الشركات السعودية ان يكونوا على مستوى عال من الولاء والتفاني للشركات السعودية او للسعوديين الذين يبحثون عن عمل في تلك الشركات، فقد خرجت بحقائق عديدة من دراسة مقارنة للولاء الوظيفي والتنظيمي بين السعوديين وجنسيات وافدة. وخلاصة الدراسة ان السعوديين اكثر ولاء وتفانيا من الوافدين، وسأستعرض اهم نتائجها. اولاً، يتمتع السعوديون بولاء عال للشركات السعودية، بل تتطابق سلوكياتهم الوظيفية مع توجهاتهم من حيث الولاء والتفاني من اجل نجاح الشركات السعودية التي يعملون بها. ثانياً، تشير نتائج الدراسة الى ان السعوديين يبذلون جهداً عالياً لتحقيق اهداف الشركات لأنها تخدم الاقتصاد الوطني بينما يشير الوافدون بأن خدمتهم مرتبطة بالعائد المالي من عملهم. ثالثا، تشير النتائج الى ان الوافدين سيتركون العمل لدى الشركات السعودية عندما تتوفر لهم فرص وظيفية ولو براتب اقل في دول أخرى. رابعاً، تشير نتائج الدراسة الى عدم توافق القيم الوظيفية بين الوافدين والسعوديين مما يجعل ثقافة الشركات السعودية متنافرة، وبالتالي يؤثر هذا التنافر على مستوى الانتاجية. خامساً، يشعر السعوديون باستثمار طويل الأجل في الشركات السعودية بينما يشعر الوافدون بتوظيف مؤقت ينتهي بتحقيق اهدافهم الشخصية وبنهاية العقد. بعد هذا الاستعراض لنتائج الدراسة ارى انه من الضروري توطين الوظائف العليا ذات القيمة المضافة التي تفيد المجتمع من حيث توظيف المواطنين في الوظائف الدنيا في الهرم التنظيمي الوظيفي للشركات، وخاصة توطين الوظائف العليا التي نلمس عدم استفادة المملكة من وجود الوافدين فيها، ونلمس ايضاً مقاومتهم لسياسة الدولة في توطينها للوظائف الدنيا والعليا. ٭ الإدارة الاستراتيجية - جامعة الملك فهد للبترول والمعادن