انضمت مطلع هذا الأسبوع جموع جديدة من جيل ( 1/7 ) إلى قائمة "المت .. قاعدين". وستواجه هذه المجموعة مثل سابقتها ,مرحلة إجراءات صرف مستحقاتهم التقاعدية وكأن مؤسسات التقاعد تكتشف أسرار الكون عند إنهاء الإجراءات . والمرحلة الثانية عندما تكتشف أن الراتب التقاعدي أصبح منزوع الدسم ولا يكفي للوفاء بالحد الأدنى من متطلبات العيش الكريم التي كان ينعم بها قبل شهر واحد فقط من هذا التاريخ . وهنا فقط يجب أن نسأل السؤال الجوهري :هل بيئة العمل أهم للوطن من بيئة المجتمع عند التقاعد ؟ إذا كان الجواب نعم وهو مع الأسف الشديد الواقع الفعلي فستكون النتائج وخيمة على المدى البعيد. أعتقد أن بيئة العمل مهمة، وبيئة المجتمع كذلك، فالبيئة الأولى تحتاج الى تحفيز عناصرها من اجل الجودة والسرعة والدقة والإنتاجية والإبداع والتكامل . وبيئة المجتمع التي اتى منها الموظف وسيعود إليها بحاجة إلى تحفيز لعناصرها العائدة من منظومة العمل . فإن كانت صالحة فستصبح صالحة لبيئة العمل ولبيئة المجتمع , وإن كانت فاسدة فسيكون المجتمع أمام جرائم تخترق حائط صد النظام لأن هذا القادم من حراس النظام او حتى حراس فضيلة النظام. تخيلوا معي من أن بعض من يعرف النظام بشكل دقيق ويعرف انه سيصبح من فصيلة منزوعي الدسم ماليا, سيكتفي بالخروج النظيف أم سيكون له مع الفساد حديث روح وشوق؟ ما تكتبه الصحافة يوميا عن هذا النوع من جرائم الفساد الإداري جديرة بالدراسة وربطها بالقرب من معرفة النظام والقرب من عتبات التقاعد وغيرها لكي نعرف ان المجتمع يصدر أصحاء إلى مؤسسات العمل ويستوردهم مرة أخرى وهم عجزة ويضطر إلى تصديرهم مرة أخرى إلى الجمعيات الخيرية والى أسرهم . المحير في الأمر أن مؤسستيْ التقاعد الخاص والعام لدينا هم الأكثر تسابقا على الاستثمار في الشركات المساهمة وعلى التطاول في البنيان وفي الأبراج ومع ذلك فهما تعيلان مجموعة من الفقراء تسميانهم تجاوزا عملاء. هو بالفعل كان عميلا مهماً عندما كان يدفع قسط التأمين ولم يعد كذلك بعد التقاعد إذ حول إلى عبء مالي.أين إذاً تذهب أرباح تلك الاستثمارات او حتى أموال المتقاعدين؟ وما هو موقف مؤسسات التقاعد من ما يسمى بنظام التقاعد الموازي الذي تتبعه شركات تأمين أجنبية لسد خلل في نظام التقاعد. أعتقد مرة أخرى وأشكر أيضا من تفاعل مع مقال الأسبوع الماضي حول مكافآت الطلاب وحسد اللجان المالية أن هذا الموضوع من ذات الطينة. يا قوم:أبعدوا أهل المال والفكر الضيق عن مصالح الناس لان معظم قراراتهم بكل بساطة لا تصب في مصلحة الوطن إلا ماليا ووقتيا فقط. فكلما كان المواطن يجد الإحسان مبكرا سيكون الجزاء من جنس العمل وهو مصداق لقول الحق عز وجل "هل جزاء الإحسان إلا الإحسان "وقوله تعالى " لا تستوي الحسنة ولا السيئة ". ولكن المعادلة الناجحة للوطن لن تكتمل إلا بالإحسان المؤسسي وليس بالاستجداء الفردي. والمجتمع ليس ببعيد عن معادلة الإفراد في قول الحق " ولا يلقاها إلا ذو حظ عظيم". والحظ العظيم لا يأتي من فراغ عظيم وإنما منظومة إحسان عظيم لجيل عظيم. فالجيل المحبط بسبب راتبه منزوع الدسم سيغرس في أبنائه وطنية منزوعة الدسم , إلا إن كان لدى أهل المال نظرية أكثر إقناعا وحماية للمجتمع من خلال الغرس والتشريب الوطني لأبناء الإخلاص السابق والمحبطين ماليا حاليا، وهم أيضا مثل"بلابل الدوح " يرون ثراء وناطحات مؤسساتهم التقاعدية حرام عليهم وحلال على الطير من كل جنس غير متقاعد.