أطلّ حسن نصر الله في خطابه يوم 25 يونيو وهو في غاية الارتباك؛ حيث تطرق إلى الأزمات التي تكاد أن تعصف بحزبه، وإذا كان الحزب قد سجل انتصاراً من خلال إقصائه لحكومة سعد الحريري ليأتي بنصيره نجيب ميقاتي، فإن الفرحة لم تدم طويلاً، حيث تعاني سورية - ظهره الذي يستند عليه - من ثورة جادّة، . اللافت في خطابه أنه استخدم مفرداتٍ متوترة، مثل وصفه للخصوم ب"الحقد" وحين يستخدم هذا الوصف النفسي في حديثٍ سياسي فإنه يكرّس الارتباك الذي أشرتُ إليه في بدء المقال. جاء الخطاب شارحاً لكلمة بشار الأسد مع إضافات تعكس بصمة طائفية تعكس رؤية حزب الله لما يجري عربياً، وكان لافتاً حديثه عن البحرين، والتي لم يخلُ منها خطاب لنصر الله منذ بدء أحداث البحرين! أخذ حزب الله على عاتقه ذرف الدموع تجاه أحداث البحرين؛ حيث يحاول أن يجعل من البحرين فزاعته للدعوة إلى العدالة التي يطالب الخليجيين بها، لكنها مطالبة منقوصة، إذ سرعان ما ينكشف وجه الحزب حين نبحث في مواقفه الأخرى. حين قام المناصرون للتيار الإصلاحي في إيران بالتظاهر في يونيو 2009 وتم قمع المتظاهرين، وقتل من قتل منهم، واستخدمت كل أدوات التنكيل من قبل الحزب الحاكم لم يتحدث الحزب عن العدالة، فعلى كثرة ظهور حسن نصر الله في خطبه الطويلة والتي يُجمع لها بعض المصفّقين والمناصرين إلا أنه لم يأت على ذكر تلك الأحداث أبداً، لم تكن العدالة التي يزايد بها الحزب على الخليجيين موجودة في تلك اللحظة. قبل ذلك التاريخ وفي مايو 2008 حين نزلت قوى من حزب الله إلى أرض بيروت، وأحرقت المباني الإعلامية، وحاصرت بيوت النوّاب المخالفين لهم، وحين استهدفت وضربت وأدمت، حين نزل الحزب بكل قواه وعساكره، بكل أساليبه العسكرية، حين فعل ما أسماه اللبنانيون ب"الانقلاب" لم يكن حسّ العدالة حاضراً في ذهن الحزب، أو خطب أمينه العام، لكأن مفهوم العدالة قد تمّت تبيئته ليكون وسيلة دفاعٍ طائفية، لاإنسانية. يمكن اعتبار استعادة الحزب للعدالة في خطبة أمينه العام الأخيرة ضمن ذلك التحوير لمفهوم العدالة الإنساني العريق، إنه حين يطالب بالعدالة للمتظاهرين في البحرين، لم يتحدث عن المقموعين في سورية، لم يكن مفهوم العدالة الذي وُظّف طائفياً وسيلة دفاعٍ عن المتألمين والمسحوقين في سورية على يد الأجهزة الأمنية، لم ينبس ببنت شفة عن كل الذي يجري للسوريين لأن شروط دفاعه عنهم مفقودة، ذلك أن العدالة يستخدمها الحزب بالمعنى الطائفي لا بالمعنى الإنساني. يذكر المؤرخون أن حزب الله كانت له أذرعته في الخليج، كان يريد أن يمدد من نفوذه وأساليب حضوره، وبلغت ذروة نفاذه في الثمانينيات الميلادية، حين حاول أن يستقطب بعض أنصاره ليؤسس خليةً يمكنها أن تنمو مع مرور الزمن بدعمٍ من حزب الله ومن إيران بطبيعة الحال، وهذه المعلومة يذكرها أحمد الموصللي في موسوعته حول الحركات الإسلامية. مشكلة حزب الله، وغيره من الجماعات المسلحة، أو حركات الإسلام السياسي، أنها تنشر رؤيتها من خلال خطابين متناقضين: الخطاب الأول: انتخابيّ سياسيّ، يكون عادةً مستوعباً للاختلاف المذهبي والطائفي، داعياً إلى الديمقراطية والانتخابات الحرة، منسجماً مع متطلبات وشرووط الدولة. الخطاب الثاني: خطاب استعراض القوة العسكرية والأمنية الذي تكشفه الأحداث شيئاً فشيئاً مع شدة وطأتها؛ كما حدث مع حزب الله حين اجتاحت إسرائيل لبنان في يوليو 2006 حين صعّد من نبرته التهديدية وبالذات بعد انتهاء الحرب، حين بدأ يخوّن الآخرين الذين كانت لهم حساباتٍ مختلفة عن حسابات الحزب على المستوى السياسي والاجتماعي. إن استعمال الحزب لمفهوم العدالة يبقى ناقصاً، لأنه استخدمه بتوظيف "طائفي" لا بتوظيفٍ "إنساني" لهذا فقد صدقيته رغم كثرة ترداده على آذان السامعين.. من يقرأ المواقف السياسية للجماعات الإسلامية يصل إلى نتيجةٍ أساسية؛ وهي أن المواقف الحاسمة والكاشفة التي تشرح اتجاه الجماعة الحقيقي لا تأتي إلا في ساعات الشدة، ذلك أن المواقف التي يطلقونها ساعة الرخاء ليست سوى كلام سياسي يسهل قوله، ويصعب بل ويستحيل تطبيقه. من الواضح أن الحزب يحاول أن يجثو على ركبتيه طالباً من نظام الأسد عدم الرحيل، لأنه يعلم عواقب رحيله والثمن الباهظ لذلك، بل إن جريدة "الأخبار" اللبنانية المقربة من حزب الله تعتبر الثورة السورية موجهةً ضد نصر الله، وليست ضد بشار الأسد، غير أن سورية حتى وهي في ذروة الأزمة تريد استنزاف حزب الله واستهلاك نصر الله من أجل مكاسب حزب البعث ومصيره ...إنه ارتباك الحزب حين يشعر بخطر فقدان ذراعه السورية التي طالما خوّفت بها الآخرين..