(شعب إيران يكتب للشرق فاتحة الممكنات.. شعب إيران يكتب للغرب: وجهك يا غرب ينهار.. وجهك يا غرب مات.. شعب إيران تأصل في أرضنا).. هذه الأبيات الحماسية أهداها حداثي عربي للثورة الدينية الإيرانية التي تحتل أرضاً عربية على امتداد الضفة الشرقية للخليج العربي تدعى (الأحواز) وتضطهد شعبها.. شاعر بلغ عشقه لثورة إيران حد مناشدتها تصدير الثورة واجتياح الضفة الأخرى.. قائلاً: (كيف أروي حبي لإيران، الذي في زفيري وشهيقي تعجز عن قوله الكلمات، سأغني ل "قُم" لكي تتحول نار عصف تطوف حول الخليج)، لو قالها قومي فارسي أو معمم إيراني لهان الأمر، لكن الذي قالها هو رمز الحداثة العربية: المفكر العربي السوري علي أحمد سعيد الملقب ب (أدونيس).. المضحك (وشر البلية ما يضحك) أن الرجل يكرر في معظم كتبه أنه ملحد؟! أما عندما يقول الرمز الثاني للحداثة العربية المفكر والشاعر يوسف الخال: (أنا مسيحي تراثيا أحمل نظرة في الوجود مستمدة من المسيحية)، و(لا ألام إذا سعيت إلى إيجاد مجتمع غير مسلم، أو بمعنى آخر: مجتمع مسيحي)، فلا تسأل كيف ينسب نفسه للحداثة وهو الذي عاش في الغرب ويعلم مرتكزات الحداثة الغربية: (الإنسانوية، والموضوعية، والمادية، والطبيعية، والتاريخية) وهي مرتكزات تنسف كلماته السابقة.. لا تسأل فالإجابة طامة أوردها الكاتبان (لوك باربولوسكو، وفيليب كاردينال) عندما أجريا معه مقابلة فقالا في مقدمتها أن رمز الحداثة (يوسف الخال) أمضى أكثر من (15) عاما في ترجمة الكتاب المقدس للعربية. عندما تكون رموز الحداثة العربية بهذا (....)، فإنهم يؤسسون لحداثة مريبة ومناقضة للحداثة الغربية: هل تجد حداثيا غربيا يتحدث بنفس طائفي كاثوليكي أو أرثوذكسي أو بروتستانتي، أو حتى ينصحك بالكتاب المقدس أو يستمد معلوماته منه؟ يكفي أن تعلم أن أشهر رموز التنوير (برونو) عندما وضعته الكنيسة فوق كومة من الحطب تمهيداً لحرقه بتهمة (التفكير).. تقدم القس ليسلمه الكتاب المقدس قبل أن يشويه، فلم يجامله (برونو)، بل رفض استلامه وفضل الحرق على تزييف وعي الإنسان، لكنك تجد في القرن الحادي والعشرين قسا متخفيا في ثوب حداثي مثل (مجدي خليل) يدعو لثقافة التنوير، ويعني بها شتم الاسلام والتباكي على طائفته التي نالت مالم تنله أقلية مسلمة في العالم كله. هكذا تكمن إشكالية الحداثي العربي.. إنه التناقض التام مع مبادىء أستاذه الغربي، ولذا نرى تهاوي الأنظمة الحداثية اليوم لأن منظريها هم على هذه الشاكلة. أما الكارثي فهو عندما يناقضها من دون وعي، كما فعل حداثي يقال له (علي حرب) الذي ألف كتاباً سماه نقد النص، فإذا قرأته لم تجد نقدا لغير النص الإسلامي، بل تجد إشادة بالكتب المقدسة الأخرى، عندما يقول: (يمكن ان تقرأ الكتب المقدسة الأخرى في أية لغة كانت، من دون أن يفقدها ذلك خصوصيتها وفرادتها). معنى هذا الكلام أن ترجمة الكتاب المقدس إلى أي لغة لا تمس تميزه وقدسيته! لن أعلق.. سأجعل المعني الأول بالأمر يعلق.. سأجعل الكنيسة نفسها تعلق: ذات يوم قام أحد المسيحيين المخلصين واسمه (ويليام تندال) بجمع نسخ من الكتاب المقدس باللغات القديمة ليترجمها إلى اللغة الإنجليزية، ولما انتهى قدم الترجمة للكنيسة، وبعد أن تدارس القساوسة الترجمة عقدوا اجتماعا آخر ليقرروا مكافأة (تندال).. أتدرون ما مكافأته؟ لقد أصدرت الكنيسة حكما بإعدامه، وتم تنفيذ إعدامه على الخازوق، وهو إجلاسه على رمح حتى ينفذ إلى جمجمته ويهشمها، وفي رواية: ربطه بعمود فوق كومة من الحطب ثم إشعالها حتى يحترق من الأسفل نحو الأعلى... هذه الترجمة التي تم تكفيرها وتكفير صاحبها وحرقه اعتمدها الملك جيمس بعد توليه العرش لتكون أساس النسخة المعتمدة اليوم! قارنوا بين موقف الكنيسة، وبين تبجيل الحداثي (علي حرب).. تبجيل يفتقر إلى أدنى درجات الوعي، لا أقول بالدين، فهو مطلب عسير على هؤلاء السطحيين، ولكن باللغة التي هي زاد وميدان الحداثي العربي الوحيد... وإلى أمثلة أكثر عجباً في المقال التالي إن شاء الله.