قُتل ابن لادن وقُتل قبله جهيمان وابن ملجم. هذا الأخير كان أرسله عمر بن الخطاب رضي الله عنه ليعلّم أهل مصر القرآن، ثم تزعم حركة تكفير علي رضي الله عنه وكل من لم ينضم إليه من الصحابة. قُتل ابن لادن ولكن فكره لم يُقتل. هذه هي الحقيقة التي يجب أن تزعجنا أكثر مما يُزعجنا بقاء الظواهري أو العولقي أو غيرهما. إن بذرة الفكر الضال وُجدت منذ أواخر العصر النبوي، وكان لها ظهور بين الحين والآخر. ولكن شوكتها لم تقو إلا في عهد علي رضي الله عنه وما بعده، ولكن ظهورها في أيامنا هذه يفوق ماسبقها. الحقيقة الأخرى أن بيئتنا هي أخصب بيئة لإنتاج مثل هذا الفكر. ومن هنا لانستغرب بين الحين والآخر تصريحات تستبيح الدماء لأسباب تافهة. لقد تجرأ البعض على إباحة قتل مسلمين بحجج واهية مع العلم أن الله حرم القتل لأي نفس وقرنه بالشرك به. يقول صلى الله عليه وسلم: من قال لا إله إلا الله دخل الجنة ما لم يشرك بالله، أو تنتد يده بدم. فتراهم يستبيحون دم هذا أو ذاك، وهم أنفسهم من يروج لمزيد من التشدد في مجتمع يُعتبر الأكثر محافظة على مستوى العالم. وللأسف فلا زلنا نغض الطرف عن تلك الحقيقة بل نعمد أحيانا إلى حمايتها بجهل أو من قبيل نصرة الإسلام. ومن شك في عَرضي هذا فليراجع ردود الفعل على قتل ابن لادن. برغم أن بعض تلك الردود يمكن أن نفهم أن باعثها هو السياسة الأمريكية المتحاملة في الشرق الأوسط، إلا أن هناك نسبة كبيرة كانت ترى في ابن لادن قائدا مسلما ومنقذا للأمة وهذا مؤشر لتلك الخصوبة. الأهمية الحقيقية لابن لادن كانت تكمن في قدرته على توحيد الفرق "الجهادية" التي كانت تُكفر بعضها بعضا قبل أن تنضم تحت لوائه (المجاهدون العرب هم من قتل عبدالله عزام). مع وجود ابن لادن تم تجميع تلك الفرق المتناحرة تحت مسمى القاعدة، وكان لذلك أثر كبير في جذب المتعاطفين، وتكوين خلايا مستقلة في طول العالم وعرضه. وبرغم عدم أهمية ابن لادن في العمليات الميدانية إلا أنه كان الملهم الأول للشباب. ولهذا فخسارته للقاعدة كبيرة. لماذا؟! السبب بسيط ففكر القاعدة المنحرف لايكفّر المجتمع الإسلامي فقط، بل يتعدى ذلك إلى الاختلاف الكبير بين الزعامات وتكفيرها بعضها بعضا أحيانا. لقد برز ذلك الاختلاف والتقاتل على الزعامة في كل مكان استقرت فيه القاعدة (أفغانستان، باكستان، العراق، الصومال). وسوف ترون صراعاً بين الرؤوس على خلافة ابن لادن حتى لو أُعلن الظواهري أميرا خلفا لأسامة بن لادن. **حديقة البيت العربي: أغلب زعامات القاعدة التي أُسرت أو قتلت كانت في مدن باكستانية ولم تكن في الميدان. مات ابن لادن قبل أن يُطلق رصاصة واحدة على العدو الصهيوني...عجبي! مقتل ابن لادن مجرد محطة في الحرب على الإرهاب، ولكن للقضاء على الإرهاب لابد من القضاء على منابعه الكثيرة.