أن يفلسَ تاجرٌ أو يتعرض لكارثة ما، فسيُصدم بالواقعة، لكنه إذا كان عصامياً فإنه يستطيع ابتداع طرق تعيد له ثروته ومعنوياته، لكن أن يخرج زعيم من قاع الفقر، أو من طبقة وسطى ويلمع نجمه ويصير الوطن إقطاعية له ولأبنائه وأزلامه يتصبّح بنظام الفطور بالخدم والطباخين، وورد وعطور، ثم استعراض للأحداث الداخلية والخارجية بوساطة لفيف من المديرين (والسكرتاريين) ثم يبدأ عملاً يومياً باستقبالات ينحني أصحابها لفخامة الزعيم، بمعنى أن كل شيء مهيأ لرضاه ومراعاة صحته وأنجاله وحاشيته، وفجأةً تحدث المفاجآت فينقل الزعماء والأزلام، ومَن أثروا من أموال الشعب، ومنعوا الحريات والتنمية والحقوق إلى الزنزانات التي طالما ملأوها بالأبرياء فإن الموضوع ليس فقط الجزاء الحقوقي بالانتقال من القصور إلى السجون، وإنما المهانات التي طالما دفعت بالبعض للانتحار، لأن التكيف مع أجواء تجعل حراس السجن هم من يأمرون وينهون للسادة الكبار أمر صعب عليهم لا يمكن تحمله، وقد قيل إن أحد الأثرياء الجدد وصل به التبجح لأنْ يأخذ أحد خدمه للمسجد في صلاة الجمعة ليخلع له نعليه ويلبسهما إياه في موقع العبادة والرحمة والتجلي بأبسط أخلاق المؤمن!! لسنا من الشامتين لكن الاعتبار بوقائع تواريخ الأمم والشعوب منذ عرف الحكم في بداياته الأولى وحتى اليوم، كان المفترض أن تكون الإنذارات الرادعة لمن اعتقدوا أن الشعوب قطيع تحت راعٍ لا يرحم، ولعل ما جرى، حديثاً، في المنطقة العربية بثوراتها المختلفة كشف عن عري وهشاشة تلك الأنظمة أمام الزحف الهائل للشعوب، وأكثرها إثارة للسخرية انقطاع حزام الأمان عند المطبلين وأصحاب الزفات الذين انقلبوا في اللحظات الحرجة إلى هجائين بغية الابتعاد عن المحاسبة، وكأن الشعب في حالة غفلة عمن رفعوا سادتهم إلى مصاف الأنبياء، ونفوا عنهم القصور والأخطاء لكنها الحقيقة عندما تصبح سجلات السوابق ووثائقها هي مصدر المحاكمة وإصدار الأحكام، والتي لم تحمِ كل الأسوار التي أحاطت بتلك الزعامات، وأعوانها.. المأساة الكبرى أن الملاحقة لا تقتصر على من تسبب وفَعَل ما تجرّم به القوانين، وإنما اللواحق ستطاول العائلة ونسلها، ولنتذكر عائلات الأباطرة من آل «رومانوف» في روسيا، وآل «بوربون» في فرنسا الذين لا يزال يلاحقهم التاريخ حتى وهم في قبورهم. مشكلة الزعامات العربية الحديثة أنها تلعن الاستعباد وتمارسه بجلب الكثير من الأقنان، وتتكلم عن العدالة وهي التي تتوسع بإنشاء السجون، وتنهب الأموال وتذلّ المواطن، لكن عيون المظلومين لا تنام، وما حدث في التاريخ عاد بأسلوب آخر وإخراج جديد، وثبت أن الحرية هي التاج على رؤوس الأحرار..