نشأ الفنان علي الرزيزاء في بيئة ريفية غنية بالشعبيات والموروثات، بيئة بسيطة استطاع أن يتكيف معها في ظل ظروفه الصعبة التي جعلته يبتكر ويصنع ألعابه بنفسه، بالإضافة إلى التشكيل بالطين من خلال برك المياه في مزارع قريته "أشيقر"، وكان من أهم مصادر إلهامه الفني " الباب الشعبي" حيث كان يتأمله ويغوص في جمالياته منذ طفولته، فهو أول لوحة في حياته، ومن خلاله بنا فكره المميز الذي يقوم على أن الباب الذي ينفتح كل يوم هو بمثابة الانفتاح على العالم الخارجي، على المدى، على المستقبل. وبعد الدراسة في ايطاليا اتسعت مداركه الفنية، نظرا لأنها هي مهد الفن في أوروبا، فمنها نهضت العلوم والفنون بقيادة الفنان العبقري ليوناردوا دافنشي، فأخذ الفنان يفحص ويدقق في تلك الفنون و يبحث عن طرق صياغتها وتقنياتها، ومن ذلك بدأ إحساسه بالمنمنمات والزخارف ينمو مما أسهم في استحداثه لأساليب جديدة ومبتكرة في الفن السعودي، حيث أخذ يصمم تكوينات من التراث بمنظور الهندسة الداخلية للمنازل راسماً تفاصيل تلك المنازل سواء الشبابيك أو الأبواب أو الحوائط مستخدماً معاجين وخامات وألوان معدنية "البرونزية – الذهبية – الفضية" في النقوش وهي ما كانت تستخدم في بدايات عصر النهضة "الفن البيزنطي"، مما أكسبت أعماله ثقلا وهيبة وعظمة تأخذك حالماً نحو عصر النهضة. كما غلب على الفنان الحس الشعبي العميق في تصويره للحياة الاجتماعية الواقعية كالسوق والحي الشعبي مؤكداً دائماُ على فن التصميم الداخلي و التصميم المعماري الخارجي التي تظهر في الأبواب، الجلسات، الزل، الأدوات التراثية من الدلة والإبريق، من خلال كثرة التفاصيل على نحو حرفي فني بأسلوب مباشر، مما نتج عنه فناً احترافياً نادراً حول الموروث ونقلة بقوة إلى العالمية. ونجده أحياناً يستمد من تلك االعناصر التراثية وجماليات زخارفها في تصميم تكوينات ذات أسلوب هندسي تجريدي معتمداً على تكرار الشكل الدائري في توزيعه للزخارف الشعبية جامعاً بين الأصالة والمعاصرة في بوتقة التراث. فالفنان فالرزيزاء اعتمد على فكره الإبداعي في إنتاجه الفني، حيث عمل على النظر للتراث وصياغته بطريقة غير مألوفة معتمدا على الأساس الهندسي في التصميم، التحديد والتذهيب في التجسيد منتجاً أعماًلاً فنية متميزة لها بصمة خاصة فيه، كما أنه يحمل فكرا خاصا وعمق رؤية في جماليات الطبيعة مما جعله يوظفها في تصاميم ذات قوالب مبتكرة ورموز تعكس البيئة منفذة على هيئة شعارات أو أعمال نحتية. علي الرزيزاء فنان أصيل ذو حس فني عال لبيئته وتراثه العريق، إنسان عاشق لتراثه بكل تفاصيله، هذا مما جعل كل ما يبدعه ينطق فخوراً بإنتمائه لكينونة ذلك الفنان وطاقته الايجابية نحو الحياة، فبمجرد النظر لبيته نجد الجمع بين الموروث والمعاصر، الماضي والحاضر، بين العمارة التقليدية والعمارة الحديثة، هذا البيت الذي قام على عنصر "الباب النجدي العتيق" ليعبر من خلاله إلى فضاءات متعددة بالغة الجمال، فكل باب يفضي إلى آخر، إلى حجرة إلى لوحة إلى نافذة تطل منها على ماض وإرث وحكاية وذاكرة، فهو يسعى إلى امتداد ما خلفه أجدادنا من تراث، حتى لا يندثر وسط زحام تطورات العصر عن طريق بيته الذي كرس كل حياته باذلاً جهده العقلي، الجسدي، الروحي كي يصبح في يوماً ما من أعظم متاحف العالم. * محاضر في جامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن- كلية التصاميم والفنون علي الرزيزاء من أعمال الرزيزاء من أعمال الرزيزاء