كارثة الزلزال الياباني أعادت لي ذكريات زميلتي اليابانية إيتسوكو أيام الجامعة، التي منهاعرفت الكثير عن الثقافة والحضارة اليابانية. إيتسوكو فرضت علي احترامها لصدقها ونظافتها وتهذيبها وكسبت محبتي بطيبتها وكرمها وصفاء نواياها. منها عرفت السوشي والسوكو ياكي والشابو شابو والتابان ياكي، واستسغت طعم الشاي الأخضر الياباني وتعلمت طقوس تحضيره وأصول تقديمه. علمتني فن تنسيق الزهور الياباني الإيكيبانا. من إيتسوكو عرفت كيف ألبس الكيمونو والجيتا والزوري، أنواعها وتفصيلها والمناسبات التي ترتدى فيها. الأهم أنها عرفتني بطريقة تشييد وبتفاصيل ومميزات البيت الياباني، فهو من أشد البيوت بساطة، فهو عبارة عن هيكل خشبي بسقف مائل وأرضية خشبية لامعة. خطوطه مستقيمة وأثاثه بسيط وأنيق، تفصل غرفه قواطع من سواتر الشوجي المنزلقة المصنوعة من ورق الأرز المثلج.تفرش غرفه بحصيرة قش التاتامي ويجلس اليابانيون مثلنا على مراتب يسمونها الزابوتون مرصوصة على الأرض حول طاولات الزاتاكو المنخفضة، ولذا مثلنا أيضاً ينزع اليابانيون أحذيتهم داخل البيت. تزين جدران البيت الياباني لوحات الكاكي جيكو الجميلة لمناظر الطبيعة اليابانية الخلابة في فصولها الأربعة أوعليها نقش بخط جميل لعبارات باللغة اليابانية مستوحاة من الأدب والشعر الياباني. ويحرص اليابانيون على أن تتصدر غرفة الاستقبال خزانة التشاداتسو التي تحتوي على لوازم طقوس تحضير وتقديم الشاي، الذي يرمز لكرم الضيافة وتقدير الزوار. البيوت اليابانية متناهية البساطة هيكلاً وبناء وأثاثاً، وتحيطها حدائق منسقة بأناقة ولاتكاد تخلو من نافورة أو حديقة زن صخرية تشعرك بالهدوء وتمنحك السكينة. خرجت اليابان من الحرب العالمية الثانية مدمرة عسكرياً، واقتصادياً، ومعنوياً. إلا أن الشعب الياباني بما يتحلى به من عزيمة وإصرار لم يضع الوقت في الصراخ والبكاء والعويل، بل شمر عن ساعديه وانكب على العمل الجاد المتواصل فنقل اليابان من دولة مهزومة محطمة، إلى مصاف الدول الصناعية ومن أقواها اقتصادياً. اخترع علماؤها الكثير من المخترعات التي ينعم بها الإنسان المعاصر وتعد من رفاهيات الحياة الحديثة. وعرف اليابانيون أن بلادهم تقع في منطقة معرضة للزلازل والفيضانات السونامية. فعكفو على ابتكار طريقة في المعمار لبناء مبانيهم الشاهقة وناطحات السحاب في مدنهم الكبرى بتقنيات متطورة تقاوم الزلازل وتخفف من وطأة كوارثها. وعملوا على تدريب الشعب الياباني منذ مرحلة رياض الأطفال على التعامل مع الكوارث وكيفية التصرف في أوقات الأزمات. لولا هذا الاستعداد فإن زلزالاً بقوة هذا الذي ضرب مؤخراً معظم هذه الجزيرة الجميلة وبعنف السونامي الذي تبعه وجرف سفنها وسياراتها كلعب الأطفال ودمر وسحق بنيتها التحتية وهددها بكارثة نووية، لذهب ضحيته مئات الآلاف من البشر. وأتوقع أنه بعد هذه الكارثه ستتفتق عقول علماء اليابان عن مخترعات تعود على البشرية بالخير وتجنبها ويلات ومصائب الطبيعة.