غاب عن معظم المستهلكين أنهم الطرف الأقوى في معادلة العرض والطلب، وأنهم أصحاب القرار النهائي في إتمام الصفقة أو صرف النظر عنها، والبحث عن بدائل أقل سعراً وأكثر جودة. كما غاب عنهم أنهم أفضل وسائل الرقابة على الأسواق، وأنهم من يحدد نجاح المنتجين وبقاء التجار في السوق أو خروجهم منه. لقد أدى ارتفاع الوعي لدى المستهلكين في الدول المتقدمة إلى إجبار المنتجين على عدم انتهاج الحلول السهلة لمشاكل الإنتاج برفع الأسعار، بل السعي لرفع مستوى الكفاءة الاقتصادية، كما أدى ذلك إلى ارتفاع درجة المنافسة بين منافذ التوزيع لخفض التكاليف وتقديم أفضل الخدمات للمستهلكين. وترتب على ذلك ارتفاع المكاسب الاقتصادية للمنتجين والمستهلكين. وفي بعض الحالات، كان لانخفاض درجة الوعي لدى بعض المستهلكين والسلوك العشوائي دور في ارتفاع أسعار بعض السلع والخدمات إلى مستويات مبالغ فيها. ويمكن للمستهلكين الحد من ارتفاعات الأسعار غير المبررة من خلال الآتي: أولاً، رفع درجة استجابتهم للتغير في السعر: من غير المعقول ألا يكون لارتفاع الأسعار بنسب تصل إلى 50% أي أثر على الكميات المستهلكة من سلع عادية يمكن الاستغناء عنها، أو تقليل الكمية المستهلكة منها، أو إحلالها بسلع أخرى بديلة. وتقاس درجة استجابة المستهلكين للتغير في سعر السلعة ب "مرونة الطلب السعرية"، حيث يكون الطلب على السلعة مرناً إذا أدى ارتفاع السعر بنسبة معينة إلى انخفاض الكمية المطلوبة من السلعة بنسبة أكبر. وفي هذه الحالة يتجنب المنتجون والتجار زيادة سعر السلعة لأن مبيعاتهم ستنخفض بنسبة أكبر. وإذا ما اضطروا لرفع الأسعار لأسباب خارجية؛ فإنهم لن يبالغوا برفعها، كما أنهم سيخفضون الأسعار في حالة زوال الأسباب التي أدت إلى ارتفاعها. ثانياً، تخفيف ظاهرة تبني السلعة المؤدية للاحتكار: أصبحت العلامات التجارية وأسماء الموردين من أولويات اتخاذ قرار الشراء. بدأ ذلك في السلع الكمالية، وشيئاً فشيئاً انتقل إلى السلع الاستهلاكية الأساسية كالأرز والسكر والحليب والأجبان.. الخ. ووقع المستهلك في أسر قائمة محدودة من السلع ذات العلامات التجارية. وبدأت تنتشر بين المستهلكين ظاهرة "تبني العلامات التجارية" التي تعني أن المستهلك يطلب اسم منتج بذاته دون النظر إلى البدائل التي قد تكون أقل تكلفة وأكثر جودة. وأدى ذلك إلى انخفاض درجة المنافسة وارتفاع المستوى العام للأسعار. ثالثاً، فهم الخدع التسويقية: يوجد في السوق المحلية أكثر من 200 نوع من الأجبان، لو حللت كيميائياً لاتضح أن أربعة أنواع منها يكفي. لكن الخدع التسويقية والإعلانات المضللة ساهمت في نجاحها وانتشارها في السوق المحلية بالرغم من المبالغة في أسعار معظمها. وتلعب الخدع التسويقية دوراً رئيساً في التشويش على المستهلك وإقناعه بشراء السلع بأسعار تفوق إمكانياته في بعض الحالات. وتستهدف الخدع التسويقية إلى القضاء على ما يعرف ب "فائض المستهلك" الذي يقيس الفرق بين السعر الحقيقي للسلعة والسعر الذي يرغب ويستطيع المستهلك دفعه. فالمستهلكون يضعون تصوراً عاماً لسعر السلعة مبنياً على إمكانياتهم المادية وأذواقهم وتقديراتهم العامة لحالة السوق. ولنفرض أن مستهلكاً قرر شراء سلعة ما إذا لم يتجاوز سعرها 1000 ريال، فإذا وجدها تباع ب 700 ريال؛ فإن الفرق (300 ريال) يعتبر فائضاً للمستهلك لأنه كان على استعداد لدفعه لو طلب منه ذلك. ويكون الشغل الشاغل للخطط التسويقية هو القضاء على هذا الفائض. لذا ينشأ ما يعرف بتجزئة السوق والتلاعب بمواصفات السلعة الواحدة وتمييز أسعارها بطريقة لا علاقة لها بالتكاليف. ويظهر ذلك جلياً في أسواق الأجهزة الإلكترونية، والسيارات، والمعدات.. الخ، وبعض الخدمات مثل السفر بالطائرة، والإقامة في الفنادق.. الخ. رابعاً، ترشيد الاستهلاك: تكاليف المعيشة لا ترتبط فقط بالأسعار، بل أيضاً بالكميات. فقيمة الاستهلاك ما هي إلا حاصل ضرب سعر السلعة بالكميات المشتراة. وفي كثير من الحالات لا يتم استهلاك كل الكميات التي يتم شراؤها، بل يُساء استهلاك جزء منها. فعلى سبيل المثال، تشير التقديرات الأولية المبنية على واردات المملكة من الأرز وعدد السكان والمشاهدات الإحصائية إلى أن ما بين 25,0% إلى 30,0% من كميات الأرز المستهلكة محلياً تذهب إلى حاويات النفايات. والحال لا يختلف كثيراً في معظم السلع الأساسية. لذا يجب أن تقتصر المشتريات على الحاجات الفعلية وتجنب شراء الكميات التي تزيد عن حاجات الاستهلاك التي قد تتلف بسبب سوء التخزين أو انتهاء الصلاحية خامساً، استهداف المنفعة: من المفيد للمستهلكين التركيز على حجم المنفعة التي يحصلون عليها من السلع والخدمات، عوضاً عن الاستغراق بكميات السلع المستهلكة. وبالتالي ينبغي على المستهلكين استهداف تعظيم منافعهم من مجموعة السلع والخدمات التي يشترونها بحدود دخولهم النقدية المتاحة. وهذا يقود إلى ضرورة إعادة النظر في سلة السلع والخدمات التي تستهلكها الأسرة في كل فترة من خلال ما يلي: ترتيب الأولويات، بحيث لا تقدم الكماليات على الضروريات. إحلال السلع البديلة مكان السلع الأغلى نسبياً، فالكثير من السلع يوجد لها بدائل مماثلة كاللحوم الحمراء والبيضاء، والألبان الطازجة والمجففة والمعلبة. * مستشار اقتصادي