شيشيكي، زامبيا - لوس انجليس تايمز لقد كانت رحلة طويلة وشاقة بحق، إلا أنها حقيقة بالهتافات التي استقبلت القافلة تحيةً وإجلالاً عند وصولها أخيراً إلى تلك الأصقاع النائية في أدغال أفريقيا.. لقد انطلقت الشحنة من مصنع في الهند عن طريق البحر إلى كينيا ومنها براً عبر العديد من دول النصف الجنوبي من القارة الأفريقية إلى حيث انتهى الطريق المعبد بالأسفلت. أما الشحنة في حد ذاتها، فقد كانت عبارة عن "ناموسيات" يتمثل الغرض منها في درء خطر البعوض - أسلحة تم شهرها في تلك الحرب الضروس ضد مرض الملاريا اللعين والذي يحتل المركز الثاني بعد متلازمة نقص المناعة المكتسبة (إيدز) في دائرة الوعي العالمي بما رزئت به أفريقيا من بلايا ورزايا؛ وذلك رغم أن من ترسلهم الملاريا إلى حتفهم سنوياً من الأفريقيين لا يقل عددهم بأي حال عمن يلقون مصرعهم على يد فيروس نقص المناعة البشرية (إيدز). بيد أن الاهتمام بالملاريا ازداد في السنوات الأخيرة في أوساط المشاهير العالميين وفاعلي الخير الذين ينفقون بسخاء. فقد قدمت الممثلة شارون أستون دفعة قوية لقضية الملاريا في عام 2005م، بينما تكفل كل من نيفيل إسديل وهو رئيس تنفيذي سابق لشركة كوكا كولا وكرايس فلورز وهو بليونير مستثمر أمريكي بتمويل الشحنة التي قوامها 11900 ناموسية إلى قرية سيشكي في زامبيا، وقد رافقا الشحنة من منشئها وحتى وجهتها النهائية. لقد تم تنظيم هذه الحملة من قبل مجموعة كريستيان إيد التي تتخذ من بريطانيا مقراً لها والتي تتعاون مع جمعيات محلية لتوزيع الناموسيات مجاناً. عقدت الدهشة لسان تشاز سيمبوتي القروية البالغة من العمر 71 عاماً وهي ترى هؤلاء الزوار الذين قدموا من مسافات بعيدة لتقديم المساعدة. فقد أشارت إلى أنها فقدت طفلاً أودت به الملاريا كما أنها هي نفسها تعاني من نوبات هذا الداء اللعين. وقد تحدثت في هذا السياق قائلةً: "يصعب عليّ أن أعبر عن امتناني فهؤلاء الناس قلوبهم رحيمة فمن ذا الذي يفكر في أن يشتري ناموسية لأمرأة عجوز مثلي؟" يأتي المرض من لسعة البعوضة التي تقوم بامتصاص الدم. وفي سياق ذلك تنشر طفيليات الملاريا في مجرى الدم مما يؤدي إلى حدوث نوبات من الحمى وارتفاع درجة حرارة الجسم. ويمكن أن تفضي إلى فشل عضوي قاتل. يمكن علاج الملاريا بالعقاقير الطبية ولكن لا يوجد لقاح لها. في هذه الزاوية من زامبيا وبالقرب من ناميبيا وأنجولا يوجد نهر زامبيا الذي يوفر مرتعاً خصباً يسرح فيه البعوض ويمرح ويتوالد ويتكاثر كما يحلو له. وفي العادة فإن البعوض الحامل والناقل للملاريا يمارس هوايته المفضلة ليلاً ولأجل هذا أصبحت الناموسيات المشبعة بمبيدات البعوض منقذ حياة وطوق نجاة من قبضة البعوض. شحنات من «الناموسيات» من متبرعين غيّرت حياة الناس وحافظت على صحتهم.. والتكلفة دولار واحد تقتل الملاريا حوالي مليون أفريقي سنوياً ومعظمهم من الأطفال، حيث أصبح معدل الوفيات بسبب الملاريا مقارباً لمعدل الوفيات الناجمة عن (إيدز). وقد عانى إسديل نفسه من الملاريا عندما كان صبياً نشأ وترعرع في زامبيا. وقد تحدث إلى القرويين عندما وصلت إليهم الناموسيات مؤخراً فقال: "لقد كنت أرتعد من الحمى في سريري من جراء الملاريا، ولكن لحسن الحظ تمكنت من التغلب عليها." أما فلورز فقد اكتشف المشكلة أثناء زيارة كان يقوم بها في المشاريع التي كان يتولى أمر تمويلها. ففي زامبيا صادف امرأة فقدت وليدها من جراء الملاريا عن عمر لا يتجاوز العامين. وقد أدرك أنها لم تكن تدرك أن خطوات بسيطة كانت ستحفظ لها حياة ابنها (بإرادة الله سبحانه وتعالى). تحدث فلورز إلى وكالة أسوشييتد برس قائلاً: "إن الدولار الذي تتبرعون به يطوي المسافات الطويلة ليصل إلى الأصقاع البعيدة لمساعدة الناس بطريقة مؤثرة وعميقة. إنها مشكلة كبيرة وهنا يشعر المرء بأنه يمكن أن يكون له بعض التأثير." في واقع الأمر فإن مما يثير حماس الغربيين تجاه مكافحة الملاريا حقيقة أن الوقاية منها تبدو سهلة وفي المتناول إذ أن تبرعاً بخمسة دولارات يفضي إلى شراء ناموسية وخمسة دولارات أخرى تفضي إلى إكساب القرويين مهارات طبية علاجية ووقائية. ويشار إلى أن تكلفة الشحنة إلى أن وصلت إلى وجهتها المقصودة في زامبيا بلغت نحواً من مئة ألف دولار أمريكي على وجه التقريب. ومن جانبها تحققت الممثلة ستون من هذا الأمر خلال المنتدى الإقتصادي العالمي في دافوس بسويسرا عام 2005م عندما كانت تستمع إلى بنجامين ماكبا رئيس تنزانيا الأسبق وهو يروي للحضور كيف أن شراء الناموسيات ذو تكلفة زهيدة وكيف أن الناموسيات يمكن أن تنقذ حياة الكثيرين ممن تفتك بهم الملاريا. ومن هنا خطرت لها الفكرة، حيث بدأت تقول إن بالإمكان الحصول على شراشف وشحنها وتغيير الأشياء على الفور ويمكن أن يؤثر لذلك أيما تأثير؛ فنهضت من جلستها ثم تعهدت بدفع عشرة آلاف من الدولارات وتساءلت عمن يقوم أيضاً بمساعدة الرئيس مكابي. تسترجع ستون شريط الأحداث وقتها وهي تتحدث في مقابلة هاتفية من لوس أنجلس مع أسوشييتدبرس فتقول: "فجأة وبلا مقدمات وقف ثمانون شخصاً وشعرت حينها بأنني سوف أصاب بنوبة قلبية." وقد تحدث أوا ماري كول - سك وزير الصحة سابقاً في السنغال والناشط حالياً في حملة مكافحة الملاريا فقال عنها إنه يصعب التخلص منها بسرعة.