في مقال الأسبوع الماضي قلنا إننا لو وضعنا الزمن (اي عدد السنوات) على العمود الأفقي ثم رسمنا معدل نمو المورد الطبيعي المتجدد (كالسمك في بحيرة معينة) على العمود الرأسي سنحصل على شكل يشبه الجرس المقلوب. السؤال المهم - الآن - هو ماذا يحدث لو أننا حاولنا ان نعمل نفس الطريقة مع الموارد الطبيعية الناضبة فوضعنا الزمن على العمود الأفقي ثم حاولنا ان نرسم معدل نمو مورد ناضب (كالبترول في حقل معين) على العمود الرأسي؟ المفاجأة الأولى (او الصّدمة المرعبة) التي سنفاجأ بها هي ان القلم الذي سنرسم به مسار معدل نمو البترول عبر الزمن سيصيبه الشلل (اي لن يتحرك من مكانه) لأن كمية مخزون البترول في الموقع (Oil in place) ثابتة وبالتالي فإن معدل نموّ مخزون البترول يساوي الصفر. لكن المفاجأة الثانية (او الصدمة المرعبة حقا) هي أننا لو حاولنا ان نرسم معدل نضوب (اي استخراج) البترول في حقل معين على العمود الرأسي سنحصل على شكل الجرس المقلوب. هل اتضحت الفكرة الآن ام هل لا زالت الفكرة غامضة؟ السؤال ليس موجها للقارئ العادي انه موجه للمتخصصين الذين يقولون ان ذروة البترول ليست علمية. الفكرة - ببساطة - تقول: ان البترول لا يمكن انتاجه وان مانسميه - تجاوزا - انتاج البترول هو في حقيقته معدل نضوب البترول وليس انتاج البترول. هذه نتيجة مذهلة، رغم بداهتها، لم يدرك مفهومها - للأسف - بعض الأكاديميين لدينا الذين يطالبون بزيادة انتاج البترول. كذلك يتجاهلها (او يرتكب نفس الخطأ) الأكاديميون الذين يقولون ان استخراج البترول (وهو في حقيقته معدل نضوب) يعتبر ناتجا قوميا. العالم بأجمعه يعترف الآن بما يسمى Peak oil (ذروة البترول الرخيص) انها حقيقة وليست نظرية. ولذا يسعى العالم المتقدم الى ايجاد بدايل للبترول قبل ان يصل البترول الرخيص (بترول اوبك) الذروة ومن ثم يضطر العالم الى استخراج البترول الصعب (عالي التكاليف) المدمّر للبيئة. الذي يبدو ان العالم سينجح - لأنه ليس لديه خيارا اّخر - في التحول (ولكن بعد استنزاف البترول الرخيص) الى استخدام مصادر متجددة كالبطاريات بدلا من البنزين في السيارات، والطاقة الشمسية في تدفئة المساكن، والطاقة الذرية في توليد الكهرباء. هذا يعني - لا مشكلة - بالنسبة للدول المستوردة للبترول فهي في نهاية المطاف ستجد البدائل المناسبة لمعظم استخدامات البترول. لكن ماذا بالنسبة للدول التي تعيش الآن بالكامل على ايرادات استخراج وتصدير البترول كالأخوات الستة في دول مجلس التعاون. واضح وضوح الشمس ان ايرادات البترول - في الوقت الحالي - هي طعام (بدونه ستجوع)، وشراب (بدونه ستعطش)، وكساء (بدونه ستعرى) شعوب دول مجلس التعاون، فهي لا خيار لها الا ان تستخرج وتبيع بترولها لتعيش (تأكل وتشرب وتلبس). لكن السؤال كيف ستعيش بعد نضوب بترولها. لاحظوا انني قلت نضوب بترولها ولم اقل نضوب بترول العالم لأن بترول العالم لن ينضب وانما فقط ستحلّق اسعاره في السماء ويقتصر استخراجه بالقطارة لإشباع الحاجات الضرورية التي اقتضت حكمة الله ان لا يوجد لها بديل للإنسان. البعض سيقول هل تريد ان تقول لنا خفّضوا استخراج البترول؟ أنا فقط اريد ان اقول رشّدوا صرف ايرادات البترول. او بعبارة اكثر وضوحا لابد من وضع خطة تنمية جادة هدفها إيجاد بدائل مستدامة للدخل تعوض عن دخل البترول قبل نضوب البترول. النظرية الاقتصادية لاستخراج الموارد الناضبة تقول: يجب على الجهة المخطّطة (صاحبة اتخاذ القرار) ان تختار نقطة التوازن عند اتخاذ قرارها بحيث لا يتجاوز معدل استخراج المورد الناضب من تحت الأرض معدل العوائد على استثمار ايراداته فوق الأرض عن طريق تحقيق تنمية مستدامة تدر دخلا بديلا دائما لا يقل عن الإيرادات التي كان يدرها المورد قبل نضوبه. السؤال اذن هو هل باستطاعة دول الخليج ان ترضي شروط الاستدامة (اي ان تطور بدائل للدخل تعوّضها عن دخل البترول) ؟ الجواب - بالتأكيد - لا. كي لا يمل القارئ سننتقل من اجل التغيير لفترة وجيزة (على ان نعود لموضوع البترول لتوضيح لماذا الجواب لا) الى الكتابة عن موضوع اّخر وسيكون مقال عمود الاسبوع القادم - ان شاء الله - بعنوان: كوارث جدة وتساقط حبوب الضومنة (انسوا الماضي فنحن اولاد اليوم). * رئيس مركز اقتصاديات البترول« غير هادف للربح»