في يونيو 2011 ستتولى كازاخستان رئاسة منظمة المؤتمر الإسلامي. ومنذ تأسيس منظمة المؤتمر الإسلامي قبل 42 عاماً، هذه هي المرة الأولى التي ستتولى فيها رئاسة هذه المنظمة المرموقة دولة جعلت من نفسها رائدة في منطقة آسيا الوسطى، وتمتلك تجربة واسعة في دمج الشرق مع الغرب، وهذا من حيث المبدأ ما تسعى إليه منظمة المؤتمر الإسلامي ذاتها، دون أن تنتهك سيادة أي بلد عضو في المنظمة، لأن كافة دول العالم تدرك حقيقة أنه في عالم اليوم لا يمكن لأي منها منعزلة وبدون تكامل البقاء على قيد الحياة، فالزمن يملي ظروفاً أخرى، تختلف كلياً عن تلك التي كانت موجودة قبل 10-20 عاماً. ينوه الخبراء، ومن بينهم الأمين العام المساعد لمنظمة المؤتمر الإسلامي عبد المعز البخاري، وبصوت واحد إلى أن كازاخستان تمكنت من تنظيم قمة منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، ودعوة ممثلي منظمة المؤتمر الإسلامي إلى طاولة مشتركة. ووفقاً للبخاري، فإن ذلك يظهر مدى الجدية الذي يتعامل فيه هذا البلد مع مثل هذه الأحداث الدولية الكبرى. وفي هذا الصدد، تتوقع منظمة المؤتمر الإسلامي من رئاسة كازاخستان مساهمة حقيقية في تطوير المنظمة والأمة الإسلامية على حد سواء. وفي الوقت الراهن تجمع المنظمة في صفوفها 57 دولة يبلغ عدد سكانها حوالي 1.2 مليار نسمة. وتعتبر جميع الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي كازاخستان دولة رئيسية في هيكل المنظمة. ومن المتوقع أن تمثل كازاخستان جسراً بين المنظمتين الدوليتين- منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، ومنظمة المؤتمر الإسلامي. يجب ألا ننسى الأهم، وهو أن منظمة المؤتمر الإسلامي لا تسعى لتحقيق أغراض دينية كما يعتقد الكثيرون، وإنما تعبر فقط عن مصالح وتطلعات المجتمع المسلم، وتدعو إلى التحديث، وتتمثل مهمتها الرئيسية في الوقت الراهن في مواجهة تحديات القرن الحادي والعشرين. إن أهم ما يتوقع من كازاخستان هو تنفيذ خطة إدماج آسيا الوسطى في فضاء منظمة المؤتمر الإسلامي. ويمثل هذا النهج لقيادة منظمة المؤتمر الإسلامي أحد سبل التعاون داخل المنظمة، ليس بين البلدان فحسب، بل أيضاً بين المناطق الجغرافية المختلفة. وبالنظر إلى الإمكانات السياسية والاقتصادية لكازاخستان، تأمل جدة في أن تتمكن كازاخستان من تنفيذ هذه الخطة حتى النهاية. هناك ثمة إنجاز آخر مهم يتمثل في أن البلدان الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي تمكنت في العام الماضي من اعتماد برنامج عمل لتعزيز حقوق المرأة في منظمة المؤتمر الإسلامي. وتم إعداد ميثاق المركز الإسلامي لشؤون المرأة، وبعد تصديقه من قبل 15 بلدا عضوا في منظمة المؤتمر الإسلامي، الأمر الذي يشترطه ميثاق المنظمة، سيبدأ هذا المركز عمله في القاهرة. بالإضافة إلى ذلك، تم تأسيس الإدارة الخاصة لمنظمة المؤتمر الإسلامي لشؤون الأسرة، والتي اعتمد القرار بشأنها في اجتماع المجلس الوزاري لمنظمة المؤتمر الإسلامي في عاصمة طاجكستان دوشانبه في عام 2009. وفي جدول أعمال رئاسة كازاخستان لمنظمة المؤتمر الإسلامي سيولى الكثير من الاهتمام لدور المرأة في العالم الإسلامي والمساواة بين الجنسين. وينبغي أن تتمثل مساهمة كازاخستان الفعلية في هذا السياق في المؤتمر الدولي لمنظمة المؤتمر الإسلامي لشؤون المرأة في العالم الإسلامي الذي سيعقد في عام 2012 في أستانة. لأن المنظمة، وفقاً لخط عملها العشرية، تعتزم تعزيز التشريعات الرامية إلى توسيع مشاركة المرأة في المجتمع المسلم في المجالات الاقتصادية والثقافية والاجتماعية والسياسية، وكذلك حماية المرأة من جميع أشكال العنف والتمييز، مع الالتزام، وفقاً لقيم العدالة والمساواة الإسلامية، بأحكام اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز. أكمل الدين إحسان أوغلو نقطة أخرى مهمة، في عام 2011 ستتولى كازاخستان الرئاسة بصفتها رئيساً للهيئة السياسية الهامة لمنظمة المؤتمر الإسلامي - مجلس وزراء الخارجية، آخذة على عاتقها الالتزام والمسؤولية عن تعزيز القيم المشتركة للعالم الإسلامي. خلال فترة رئاسة كازاخستان لمنظمة المؤتمر الإسلامي، تبرز إلى المقدمة مسألة تنظيم الحوار بين الأديان، الأمر الذي كثيراً ما تناوله رئيس كازاخستان نورسلطان نزاربايف. ويؤكد السياسيون أن كازاخستان، بصفتها رئيساً لمنظمة المؤتمر الإسلامي، ستساعد على تقوية روابط العالم الإسلامي مع الغربي. مراراً ما أعلن الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي أكمل الدين إحسان أوغلو نفسه أن كازاخستان تعلق أهمية كبرى على تطوير العلاقات مع العالم الإسلامي، وهيئته الجماعية الكبرى - منظمة المؤتمر الإسلامي. وبرأيه، من شأن رئاسة كازاخستان لمنظمة المؤتمر الإسلامي أن تساعد على التقارب بين منظمتي الأمن والتعاون في أوروبا والمؤتمر الإسلامي. تمنح رئاسة منظمة المؤتمر الإسلامي في عام 2011 كازاخستان فرصة فريدة لأن تقوم بتعزيز دورها كجسر بين العالمين الغربي والإسلامي، وتشكيل إطار لتوحيد القيم وتبادل الخبرات في شتى المجالات. وفي هذا الصدد أكد أغلو قائلاً: "إنني على قناعة من أنه قد سيتم في إطار هذه العملية وضع الأساس لجعل منظمتينا أكثر قرباً. يمثل التعاون الإقليمي والدولي الأساس للحد من الفقر، ومكافحة الإرهاب والجريمة العابرة للحدود الوطنية. ونحن ننطلق من الرؤية الإستراتيجية للتضامن في آسيا الوسطى، التي تم اعتمادها في الاجتماع الأخير لمجلس الوزراء في طاجكستان. وأود أن أشيد بكازاخستان لمثالها في مجال نزع السلاح، ذلك المثال الذي يتوجب على البلدان الأخرى تطبيقه، حتى يصبح العالم كله خالياً من الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل". ووفقاً له، فقد أحرزت كازاخستان تقدما ًمثيراً للإعجاب في مجال التنمية الاجتماعية-الاقتصادية، والتحديث السياسي والاقتصادي والاجتماعي. لا يخفي أحد أن المنظمة تربط آمالاً كبيرة برئاسة كازاخستان لمنظمة المؤتمر الإسلامي في عام 2011 بوصفها البلد الذي يتمتع بسمعة دولية رفيعة، وسياسة خارجية غنية ونشطة، ومثالاً رائعاً لبناء الدولة المتقدمة والنامية بشكل حيوي، حيث يعيش بسلام ممثلون لجنسيات وديانات مختلفة. للإنصاف تجدر الإشارة إلى أن كازاخستان التي يبلغ عدد سكانها 16،2 مليون نسمة، تحتل المركز التاسع بين ال 21 دولة في منظمة المؤتمر الإسلامي. بعد أن أصبحت في عام 1995 عضواً في منظمة المؤتمر الإسلامي، تزيد كازاخستان من تعاونها مع دول هذه المنطقة التي تشهد نمواً سريعاً في مجموعة من الاتجاهات، وتنفذ كازاخستان علاقات اقتصادية وتجارية مع 42 من البلدان الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي. وتم تحديد أربعة مجالات رئيسية للتعاون الاقتصادي، هي: الأول - التجاري، والثاني – مجال النقل، والثالث – السياحي، والرابع - المالي. على أي حال، هذه المنظمة "محكوم عليها" أن تلعب دوراً بارزاً في العلاقات الدولية المعاصرة، لأن رفع النشاط السياسي للدول الإسلامية، واشتداد خطر "التطرف الإسلامي" والتيارات الدينية-السياسية ذات الميول الإسلامية، واتجاهات التنمية للبلدان الإسلامية المستقلة حديثاً والكثير غيرها سيتوقف بشكل خاص على الموقع الذي ستشغله في علاقاتها المنظمة الدولية الساعية لأن تصبح المركز للحياة السياسية في العالم الإسلامي. وبدورها، يمكن أن توفر منظمة المؤتمر الإسلامي الدعم لهذه القوى السياسية، على الأقل في الرفع المؤقت لمكانتها على الساحة الدولية، وزيادة تأثيرها على العمليات السياسية العالمية.